للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة أهل السنة في صفة اليد]

فيقولون -يعني أهل السنة والجماعة- إنه خلق آدم بيده أو بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله عز وجل: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]) هذه الآية فيها إثبات اليدين لله، ونحن نقول: إن لله سبحانه وتعالى يدين لا يشابه فيها أيدي المخلوقين.

قوله: (ولا يحرفون الكلم عن مواضعه؛ بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله)، هذا دعاء من المؤلف عليهم بالهلاك.

فالمعتزلة والجهمية لما وردت عليهم النصوص التي فيها إثبات الصفات كان موقفهم منها النفي، فلما أوردت عليهم النصوص قيل لهم: ماذا تقولون في قوله تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] وكذلك الآية الأخرى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] يعني: فيه صفة اليدين لله عز وجل.

وكذلك في الأحاديث التي ذكرها المؤلف خبر محاجة آدم موسى قال: (خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته)، وحديث: (خلق الفردوس بيده)، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١]، (والذي نفسي بيده).

كل هذه فيها إثبات اليد لله، والمراد بيده الجنس، والمراد يدان لله، فأثبت اليدان لله.

أما المعتزلة والجهمية فقالوا: نحن نفسر اليد بالنعمة، أو بالقدرة.

ونحن نقول: الأول باطل؛ لأنه تحريف للكلم عن مواضعه ومعارضة للنصوص، وإبطال لها، وهل الله تعالى عاجز عن أن يقول: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي؟ لو كان مراده سبحانه وتعالى النعمة والقدرة لقال: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي.

الرد الثاني: أن تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن له يدان: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤]، فلو لم يأت إلا ذكر يد واحدة لكان لتأويلهم وجه، يعني: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] يقول اليد معناها: النعمة أو القدرة، لكن لما جاء في النصوص إطلاق اليدين: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] إذا فسرت اليد بالنعمة سيكون المعنى: بنعمتي، وهذا يفيد حصر النعمة بنعمتين؟! والله له نعم كثيرة.

وإذا فسرتها بالقوة؛ فإن لله قوتان فقط، فيفسد المعنى.

إذاً: تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى، أولاً: هو إبطال للنصوص، وتحريف لكلام الله عن مواضعه، وثانياً: لأنه جاء إثبات اليدين لله عز وجل، فليست يد واحدة وإنما هي يدان.

قوله: (ولا يكيفونهما بكيف) أي: لا يقولون: إن يد الله كيفيتها كذا، أو تكون على كيفية كذا، وإنما يقولون: الله أعلم كيفية اليد، فله يدان سبحانه وتعالى كريمتان تليقان بجلاله وعظمته لا تماثل أيدي المخلوقين، لا نقول: كيفيتها كذا ولا كذا.

قوله: (أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين) كذلك لا يقولون: إن يديه سبحانه تشبه يد المخلوقين، وهذا قول المشبهة الذين يكيفون ويمثلون ويشبهون تشبيه المشبهة خذلهم الله.

قوله: (وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف)، فلم يشبهوا أو لم يقولوا: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولم يكيفوها فيقولون: إن الكيفية على كذا وكذا.

فأعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه الذي وقع فيه أهل البدع.

قوله: (ومن عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه) يعني: عرفهم وفهمهم الحق، فعلموا الحق وسلكوا مسلك الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصحابة والتابعين والأئمة، فوحدوا الله ونزهوه عن مشابهة المخلوقين.

قوله: (وتركوا القول بالتعليل والتشبيه) أي ما قالوا: إننا نفي اليد لئلا يلزم منه التشبيه، أو لعلة كذا، أو لأجل كذا.

قوله: (واتبعوا قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]) هذه الآية فيها رد على الطائفتين: المشبهة الممثلة والمعطلة، فقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) رد على المشبهة، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} رد على المعطلة، حيث أثبت لنفسه السمع والبصر، والمعطلة ينفون السمع والبصر، وقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) رد على المشبهة الذين يقولون: إن صفات الخالق تماثل صفات المخلوقين.

قوله: (وكما ورد القرآن بذكر اليدين في قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤].

ووردت الأخبار في الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد) يعني: كما ورد القرآن بذكر اليدين وردت السنة بذكر اليدين، فالمؤلف يقول: إن إثبات اليدين جاء في الكتاب العزيز وفي الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد.

قوله: (كخبر محاجة آدم وقوله له: (خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته)).

في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لما لقي موسى آدم، احتج آدم وموسى، فقال موسى عليه الصلاة والسلام لآدم: (أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجت نفسك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، فيكم وجدت مكتوباً علي قبل أن أخلق: وعصى آدم ربه فغوى فقال بكذا وكذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى)، يعني: غلبه بالحجة، ذلك أن آدم احتج عليه بأن هذه المصيبة -وهي إخراجه من الجنة- مكتوبة عليه؛ فاحتج بالقدر، ولهذا حج آدم موسى، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، لكن الممنوع أن يحتج بالقدر على المعاصي، فهذه طريقة المشركين، أما الاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، إذا أصابتك مصيبة قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل.

فهذا آدم وموسى لما في خبر المحاجة قال موسى لآدم: (خلقك الله بيده)، أثبت اليد لله.

قوله: (ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا أجعل صالح من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان)).

هذا الحديث احتج به العلماء على تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة، وهذا يظهر في النهاية عند دخولهم الجنة حينما يكملهم الله عز وجل ويطهرهم، وهذه المسألة وهي: تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة، أو تفضيل الملائكة على الأنبياء وصالح البشر، مسألة خلافية بين أهل العلم، والصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأنبياء وصالح البشر أفضل، ومن الأدلة هذا الحديث، فلما طلبت الملائكة من الله عز وجل أن يجعلهم أفضل من بني آدم قالت: (ربنا جعلت لهم الدنيا يأكلون ويشربون)، والملائكة لا تأكل ولا تشرب، فاجعل لنا الآخرة، فقال الله عز وجل: (لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان).

فآدم خلقه الله بيده، والملائكة قال الله لهم: كن فكانوا، فهذا من الأدلة التي احتج بها المحققون من أهل العلم على أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة في النهاية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: عندما يكملهم الله عند دخولهم الجنة.

قوله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الفردوس بيده) هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم في صحته، فقد أعل بالإرسال، وسواء صح الحديث أو لم يصح فاليد ثابتة لله عز وجل في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>