قال المؤلف رحمه الله تعالى: [روى يزيد بن هارون في مجلسه حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حاتم عن جرير بن عبد الله في الرؤية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر)، فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحرد، وقال: ما أشبهك بـ صبيغ وأحوجك إلى مثلما فُعِل به، ويلك! ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيءٍ من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه واستخف بدينه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتبعوه ولا تبتدعوا فيه؛ فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم].
أراد المؤلف رحمه الله من ذكر هذا الحديث ومن قول أبي خالد يزيد بن هارون: أن يبين موقف السلف من هذه الأخبار الواردة في صفات الله عز وجل، وأن موقفهم القبول والتسليم وعدم الاعتراض، بل يسلمون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله عن يزيد بن هارون أنه روى في مجلسه حديث رؤية الله يوم القيامة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر) وفي لفظ: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، في حديث جرير بن عبد الله البجلي الذي رواه البخاري في صحيحه:(إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته)، وفي رواية أبي هريرة:(إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحواً) أي: ليس دونها سحاب، وفي بعضها: أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا؟ قال:(هل ترون القمر ليلة البدر؟ قالوا: نعم، قال: هل تضارون في رؤيته؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضارون في رؤيته)، وفي لفظ (لا تضامون) يعني: لا يصيبكم ضيم ولا ضرر.
وهذا الحديث مع الأحاديث التي فيها إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة من الأحاديث المتواترة.
والرؤية أيضاً ثابتة في القرآن الكريم، قال الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣]، ومعنى (ناضرة) في الآية الأولى: من النضرة وهي: البهاء والحسن، وأما (ناظرة) في قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٣]، فهو من النظر بالعين، فلما ذكر الوجه والعين دل على أن المراد الرؤية بالعين التي في الرأس إلى الرب جل جلاله، وقال سبحانه:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦]، جاء في تفسير (زيادة): بأنها النظر إلى وجه الله الكريم.
وقوله:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:٣٥]، جاء في تفسير المزيد: بأنه النظر إلى وجه الله الكريم.
وقال سبحانه عن الكفرة:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين:١٥]، وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله بهذه الآية على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة.
قال: لما أن حجب هؤلاء في السخط دل على أن المؤمنين يرونه في الرضا، ولو كان المؤمنون لا يرون ربهم لتساووا هم وأعداؤهم في الحجب عن رؤيته.