[رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب الانتصار بطرقها].
فمن معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يشهدون أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة وينظرون إليه، ورؤية المؤمنين لربهم ثابتة في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة، أما في القرآن العزيز فقد قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] وإذا ذكر الوجه مع حرف الجر دل على أن المراد النظر بالعين التي في الرأس إلى الرب جل جلاله، وقال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] فقد استدل الشافعي بهذه الآية على إثبات الرؤية للمؤمنين؛ لأن الله حجب الكفار فلما حجب الكفار عن الرؤية دل على أن المؤمنين يرونه، وإلا لو كان المؤمنون محجوبون لكانوا مثل الكفار، ولتساووهم، فلما حجب الله الكفار عن الرؤية دل على أن المؤمنين يرون ربهم، قال سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] جاء في صحيح مسلم في تفسير الزيادة: بأنه النظر إلى وجه الله الكريم، وكذلك قوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] والزيادة هي النظر إلى وجه الله.
وأما السنة فإن الأخبار متواترة رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابياً في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد ساقها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وعقب عليها وقال: فكأنك تشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول هذه الأحاديث وأهل السنة لا شيء أقر لأعينهم من ذلك، وشهدت الفرعونية والجهمية والفلاسفة وأفراخ اليونان بكفر من اعتقد ذلك.
فالجهمية والمعتزلة كفروا من أثبت رؤية الله وقالوا: من أثبت رؤية الله فهو كافر، لأنه تنقص الله، وقالوا الذي يرى هو الجسم المحسوس، والله ليس بجسم وليس بمحسوس فلا يرى، مع أن الأخبار بلغت حد التواتر.
ولهذا قال العلماء والأئمة: من أنكر رؤية الله فهو كافر، فكفر بعض الأئمة من أنكر رؤية الله في الآخرة.
وأما أهل البدع من المعتزلة والجهمية والخوارج فإنهم أنكروا الرؤية وكفروا من أثبت الرؤية لأنهم يزعمون أن من أثبت الرؤية فقد تنقص الله وقالوا: الشيء الذي يرى لا بد أن يكون جسم، ومن أثبت الرؤية لله فقد جعل الله جسماً وإذا كان جسماً صار مشابهاً للمخلوقات وكذلك يكون محدوداً، ومتحيزاً.
فنقول: إن الله سبحانه وتعالى أثبت رؤية المؤمنين لربهم فكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم أثبت ذلك، وكل موجود يمكن رؤيته، والله تعالى أظهر من كل موجود وأحق بأن يرى، لكن رؤية الله في الدنيا ممتنعة شرعاً فلا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا ولا يستطيع بصره أن ينظر إلى الله في الدنيا لضعفه، لكن في يوم القيامة ينشئ الله الناس تنشئة قوية يستطيعون من خلالها رؤية الله، ولهذا لما سأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه الرؤيا قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:١٤٣] أخبر الله أنه لن يستطيع قال الله: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣] أي: لن تستطيع {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣] فالجبل الصلب ما استطاع أن يثبت لرؤية الله له بل اندك {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:١٤٣].
والرؤية أيضاً نعيم خاص بأهل الجنة، يقول المؤلف رحمه الله: هذا الخبر: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، في لفظ: (لا تضامون في رؤيته)، في لفظ: (لا تضارون في رؤيته)، وفي لفظ: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة أربع عشرة)، وفي لفظ: (إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب)، وفي لفظ: (إنهم قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا؟ قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في رؤية الشمس صحواً ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك).
يقول المؤلف رحمه الله: والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي.
والمعنى: أن رسول الله شبه رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة برؤية الناس للقمر في الدنيا، هل هذا فيه تشبيه لله بالقمر؟ لا، بل التشبيه للرؤية بالرؤية.
يعني: كما أننا في الدنيا نرى القمر واضحاً لا لبس فيه، فكذلك نرى الله يوم القيامة رؤية واضحة لا إشكال فيها، وليس المراد تشبيه الله بالقمر تعالى الله، فالله تعالى لا يشابه أحداً من خلقه، وهذا هو معنى قول المؤلف: التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فالله تعالى لا يماثل أحداً من خلقه قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] يقول المؤلف: والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب الانتصار بطرقها، وكتاب الانتصار هو للمؤلف وقد ساق فيه الأدلة والأحاديث التي فيها الرؤية، فإذا أردت أن تتوسع ارجع إلى كتاب المؤلف كتاب الانتصار حتى ترى هذه النصوص.