قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، حين عرفه ورآه كل منهم -رضي الله عنهم- أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه].
والخليفة الرابع هو علي رضي الله عنه، ثبتت له الخلافة بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد، وامتنع عن البيعة معاوية وأهل الشام، لا لأن معاوية يطلب الخلافة؛ بل لأنه يطالب بدم عثمان رضي الله عنه.
وخلاصة الأمر فقد ثبتت الخلافة لـ أبي بكر بإجماع الصحابة، وثبتت لـ عمر بولاية العهد من أبي بكر واتفاق الصحابة عليه، وثبتت لـ عثمان بإجماع المهاجرين والأنصار، وثبتت لـ علي بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد دون معاوية وأهل الشام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور بضيائهم ونورهم وبهائهم الظلام، وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله عز وجل:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ}[النور:٥٥] الآية.
وفي قوله:{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:٢٩] إلى قوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:٢٩]، فهؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدون خلافتهم راشدة، وهم أفضل الناس، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وخلافتهم خلافة نبوة، وقد نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور الله بضيائهم وبهائهم الظلام، وتحقق في خلافتهم وعده في قوله عز وجل:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور:٥٥]، وقد حصل هذا، فقد استخلفهم في الأرض، ومكن لهم الدين وبدلهم من بعد خوفهم أمناً.
قوله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:٢٩]، إلى قوله:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:٢٩]، هذه الآية فيها وصف للصحابة، ولهذا استنبط الإمام مالك رحمه الله من قوله تعالى:(ليغيظ بهم الكفار) أن من أغاظه الصحابة فإنه يكون كافراً بنص القرآن؛ لأن الله قال:(ليغيظ بهم الكفار).