للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب هَذَا على نَفسه وَحرم هَذَا على نَفسه كَمَا لَو أخبر عَن كَائِن من كَانَ أَنه يفعل كَذَا أَولا يفعل كَذَا لم يكن فِي هَذَا بَيَان لكَونه مَحْمُودًا ممدوحا على فعل هَذَا وَترك هَذَا وَلَا فِي ذَلِك مَا يبين قيام الْمُقْتَضِي لهَذَا وَالْمَانِع من هَذَا فَإِن الْخَبَر الْمُصَفّى كاشف عَن الْمخبر عَنهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَان مَا يَدْعُو الى الْفِعْل وَلَا الى التّرْك بِخِلَاف قَوْله كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَحرم على نَفسه الظُّلم فان التَّحْرِيم مَانع من الْفِعْل وكتابته على نَفسه دَاعِيَة من الْفِعْل وَهَذَا بَين وَاضح اذ لَيْسَ المُرَاد بذلك مُجَرّد كِتَابَته أَنه يفعل وَهُوَ كِتَابَة التَّقْدِير كَمَا ثَبت فِي (الصَّحِيح ((انه قدر مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات والارض بِخَمْسِينَ الف سنة وعرشه على المَاء (فانه قَالَ كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَلَو أُرِيد كِتَابَة التَّقْدِير لَكَانَ قد كتب على نَفسه الْغَضَب كَمَا كتب على نَفسه الرَّحْمَة إِذْ كَانَ المُرَاد مُجَرّد الْخَبَر عَمَّا سَيكون ولكان قد حرم على نَفسه كل مَا لم يَفْعَله من الاحسان كَمَا حرم الظُّلم فَفرق بَين فعله سُبْحَانَهُ وَبَين مَا هُوَ مفعول مَخْلُوق لَهُ وَلَيْسَ فِي مخلوقه مَا هُوَ ظلم مِنْهُ وان كَانَ بِالنِّسْبَةِ الى فَاعله الَّذِي هُوَ الانسان هُوَ ظلم كَمَا أَن أَفعَال الانسان هِيَ بِالنِّسْبَةِ أليه تكون سَرقَة وزنا وَصَلَاة وصوما وَالله تَعَالَى خَالِقهَا بمشيئته وَلَيْسَ بِالنِّسْبَةِ أليه كَذَلِك إِذْ هَذِه الاحكام هِيَ للْفَاعِل الَّذِي قَامَ بِهِ هَذَا الْفِعْل كَمَا أَن الصِّفَات هِيَ صِفَات للموصوف الَّذِي قَامَت بِهِ لَا للخالق الَّذِي خلقهَا وَجعلهَا صِفَات وَالله تَعَالَى خَالق كل صانع وصنعته كَمَا جَاءَ ذَلِك فِي الحَدِيث وَهُوَ خَالق كل مَوْصُوف وَصفته

ثمَّ صِفَات الْمَخْلُوقَات لَيست صِفَات لَهُ كالألوان والطعوم والروائح لعدم قيام ذَلِك بِهِ وَكَذَلِكَ حركات الْمَخْلُوقَات لَيست حركات لَهُ وَلَا أَفعَال لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَار لكَونهَا مفعولات هُوَ خلقهَا وَبِهَذَا الْفرق تَزُول شبه كَثِيرَة والامر الَّذِي كتبه على نَفسه يسْتَحق عَلَيْهِ الْحَمد وَالثنَاء وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>