للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقيض مَا أثبتموه فَمَا جعلتموه دَلِيلا على حُدُوث الْعَالم لَا يدل على حُدُوثه بل وَلَا يسْتَلْزم حُدُوثه وَالدَّلِيل لَا بُد أَن يكون مستلزما للمدلول بِحَيْثُ يلْزم من تحقق الدَّلِيل تحقق الْمَدْلُول بل هُوَ منَاف لحدوث الْعَالم مُنَاقض لَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي امْتنَاع حُدُوث الْعَالم بل امْتنَاع حُدُوثه شَيْء من الْأَشْيَاء وَهَذَا يَقْتَضِي بُطْلَانه فِي نَفسه وَأَنه لَو صَحَّ لم يدل إِلَّا على نقيض الْمَطْلُوب ونقيض مَا يَقُوله كل عَاقل فَإِن كل عَاقل يعلم يعلم حُدُوث الْحَوَادِث فِي الْجُمْلَة سَوَاء قيل بقدم الأفلاك أَو لم يقل بذلك وَذَلِكَ أَن مبْنى دليلكم على أَن الْقَادِر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بِلَا مُرَجّح الْإِرَادَة الأزلية الَّتِي نسبتها إِلَى جَمِيع المرادات على السوَاء ترجح مرَادا على مُرَاد بِلَا مُرَجّح غير الْمُرَجح الَّذِي نسبته إِلَى جَمِيع المرحجات نِسْبَة وَاحِدَة لَا تتفاضل وَمن الْمَعْلُوم أَن تَرْجِيح وجود الْمُمكن على عَدمه بِلَا مُرَجّح أَو تَرْجِيح أحد المتماثلين على الآخر بِلَا سَبَب يَقْتَضِي ذَلِك بَاطِل فِي بديهة الْعقل وَلَو قيل إِن ذَلِك صَحِيح لبطل الدَّلِيل الَّذِي يسْتَدلّ بِهِ على ثُبُوت الصَّانِع وحدوث الْعَالم فَإِن مبْنى الدَّلِيل على أَن الْمُحدث لَا بُد لَهُ من مُحدث وَذَلِكَ يسْتَلْزم أَن تَرْجِيح الْحُدُوث على الْعَدَم لَا بُد لَهُ من مرحج وَلَا بُد أَن يكون للمحدث مُرَجّح قد حدث مِنْهُ مَا يسْتَلْزم وجود الْمُحدث الَّذِي جعله مَوْجُودا وَإِلَّا إِذا لم يلْزم وجوده كَانَ وجوده جَائِزا مُمكنا كَانَ مُحْتملا للوجود والعدم فترجيح الْوُجُود على الْعَدَم لَا بُد لَهُ من مُرَجّح مُحدث لَهُ وكل مَا أمكن حُدُوثه إِن لم يحصل لَهُ مَا يسْتَلْزم حُدُوثه لم يحصل فَمَا شَاءَ الله كَانَ لَا محَالة وَوَجَب وجوده بِمَشِيئَة الله وَمَا لم يَشَأْ لم يكن بل يمْتَنع وجوده مَعَ عدم مَشِيئَة الله تَعَالَى فَمَا شَاءَ الله حُدُوثه كَانَ لَازم الْحُدُوث وَاجِب الْحُدُوث بمشيئته لَا بِنَفسِهِ وَمَا لم يَشَأْ حُدُوثه كَانَ مُمْتَنع الْحُدُوث لَازم الْعَدَم وَاجِب الْعَدَم لِأَنَّهُ لَا يُوجد

<<  <  ج: ص:  >  >>