[أسماء الله وصفاته في سنة النبي صلى الله عليه وسلم]
قال رحمه الله: [فصل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسنة تفسر القرآن، وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه، وما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك] .
فهذا هو الفصل الذي اختصه المؤلف رحمه الله بذكر الأحاديث التي فيها إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى، وقد تقدم في أول هذه الرسالة أن أهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله، وما أثبته لنفسه هو ما تضمنه كتابه المجيد، وما أثبته له رسوله هو ما تضمنته السنة من الأحاديث الكثيرة، التي بينت وفصلت ووضحت صفات الله جل وعلا، فالسنة تفسر القرآن، وتفسيرها للقرآن بتوضيح معانيه، وكشف المراد منه، فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب المبين على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل بيان ما تضمنه الكتاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فبيان القرآن في الأحكام والأخبار راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:٤٤] ، والذكر: هو الذكر الحكيم وكتاب الله المبين، فأنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله ليبينه للناس.
والذكر الحكيم والكتاب المبين اشتمل على الأحكام والأخبار، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم كان للأمرين الأحكام والأخبار.
فالسنة تفسر القرآن، وتكشف معانيه وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه، فهذا ما أجمع عليه سلف الأمة، وهذا ما تميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق والطوائف، فإن الفرق افترقت في دلالة السنة على ما وصف الله به نفسه، فمنهم من لم يقبل من السنة شيئاً، واقتصر على إثبات ما دل عليه الكتاب.
ومنهم من قبل شيئاً، ورد شيئاً كالصفات الواردة في أحاديث الآحاد.
ومنهم من تسلط بالتحريف والتأويل الباطل المذموم على الكتاب والسنة.
وأهل السنة والجماعة جروا في الكتاب وفي السنة على سنة واضحة، وطريقة ثابتة، وهي: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قال رحمه الله: (وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك) ولا إشكال في أنه يجب الإيمان بما صح مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل؛ لأنه خبر صدق، وخبر من لا ينطق عن الهوى، فوجب الإيمان به والتسليم له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فأوتي النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ومثله وهو السنة، وهي الحكمة التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن مما تفترق به السنة عن القرآن أنه لابد في السنة من النظر إلى طريق الثبوت؛ ولذلك قال رحمه الله: (وما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول) .
فلابد فيما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن ينظر في سند ذلك، فإن صح السند فإنها مقبولة، وإن كان السند مردوداً لضعف أو نحوه فإنه لا يثبت به حكم ولا خبر، والخبر حكم في الحقيقة؛ لأنك تحكم بأن الله سبحانه وتعالى متصف بكذا، أو لم يتصف بكذا، فالباب واحد.
فلابد من النظر في سند ما ورد، فإن صح السند قبل، وإن لم يصح السند فهو مردود.