للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى التكييف]

ثم قال رحمه الله: (ومن غير تكييف ولا تمثيل) التكييف مأخوذ من الكيف، والكيف هو طلب صورة الشيء، فالتكييف طلب صورة الصفات وحقيقتها، فكل من طلب هيئة الصفة وصورة الصفة وحقيقة الصفة، وحقيقة ما أخبر الله به عن نفسه فإنه مكيف، وأهل السنة والجماعة قد أوصدوا هذا الباب وأغلقوه، فلا سبيل إلى معرفة الكيفيات؛ لأن ما أخبر الله به عن نفسه أمر لا تدركه العقول على وجه الكمال، إنما ندرك منه المعنى، وأما الحقائق وما عليه الأمر فإنه من العلم الذي استأثر به الله سبحانه وتعالى، قال الله جل وعلا: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:٧] إذا وقفنا على لفظ الجلالة فالمقصود بالتأويل هنا: حقيقة ما يئول إليه ما أخبر به سبحانه وتعالى عن نفسه وعن أمور الغيب، فإنه لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.

فإذا قال قائل: كيف استوى على العرش؟ كيف وجهه؟ كيف يده؟ كيف كلامه؟ كل هذا لا سبيل إلى معرفته؛ لأنه مما استأثر الله بعلمه، والله سبحانه وتعالى قد نفى الإحاطة بصفة من صفاته، فكيف بصفاته؟ فكيف به سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة:٢٥٥] فنفى الإحاطة بشيء من علم الله جل وعلا، فكيف بمن أراد أن يحيط بجميع صفاته وما أخبر به عن نفسه؟ وقال سبحانه وتعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:١١٠] حتى النظر الذي أخبر به سبحانه وتعالى في نعيم أهل الجنة ليس نظراً يدرك به الناظر الله جل وعلا، بل قد قال سبحانه وتعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣] فنفى إدراك الأبصار له؛ وذلك لكماله وبديع وجميل صفاته وذاته سبحانه وتعالى.

فإذا كان العبد لا يمكن أن يدرك ما وصف الله به نفسه إدراكاً تاماً، فكيف يستطيع أن يكيف ما وصف الله به نفسه؟ هذا باب موصد لا سبيل إلى تحصيله ولا إلى ولوجه، والمؤمن يقف عند ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويقول: يسعني ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وسلف الأمة، ومن تجاوز هذا الحد فإنه قد ولج باب بدعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>