وقوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} الكرسي قيل: إنه العلم، فيكون المعنى وسع علمه السماوات والأرض، وقيل: إنه العرش، وقيل: إنه كرسي من خلق الله يضع الله جل وعلا عليه قدميه، كما ورد ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه، فهو خلق ليس بالعلم ولا بالعرش، وقيل: إنه خلق من خلق الله عظيم الله أعلم به، فهذه هي أبرز الأقوال في معنى (الكرسي) ، وجاءت أقوال أخرى لكن هذا أشهر ما قيل.
وتفسير الكرسي بالعلم ضعيف، وذلك أن علم الله سبحانه وتعالى ليس قاصراً على السماوات والأرض، بل وسع السماوات والأرض وكل ما خلقه الله عز وجل قبل السماوات والأرض وبعدهما؛ ولذلك لم تأت سعة العلم مقيدة بالسماوات والأرض، قال تعالى:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً}[غافر:٧] ، والعلم يتعلق بكل موجود وبكل شيء، فتفسير الكرسي بالعلم تفسير قاصر، ثم إنه قد تقدم بيان سعة علمه سبحانه وتعالى في قوله:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} فلا وجه لتكراره هنا.
وتفسير من فسره بالعرش أيضاً فيه قصور؛ لأنه قد ورد ما يدل على أن الكرسي غير العرش، وأنه خلق آخر.
أما تفسيره بأنه الذي يضع الرب جل وعلا عليه قدميه فقد جاء ذلك بسند لا بأس به عن ابن عباس، وتفسير الكرسي بأنه موضع القدمين اختيار شيخنا رحمه الله، وأما القول بأن الكرسي خلق من خلق الله عظيم، الله أعلم به، فهذا مبني على ضعف الأثر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وهو أن الكرسي خلق من خلق الله عظيم، الله أعلم به.
وعلى كل حال، فسواء أقيل بأنه موضع القدمين، أم قيل بأنه خلق من خلق الله عظيم، فكلاهما موافق للصواب من حيث إنه ليس بالعلم ولا بالعرش، بل هو خلق مخالف لهذين.