[من أمثلة الظنون الكاذبة]
مثل رحمه الله بالظنون الكاذبة في هاتين الصفتين فقال: (مثل أن يظن أن ظاهر قوله (في السماء) أن السماء تقله أو تظله) تقله يعني: تحمله، أو تظله يعني: يكون تحتها، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
يقول: (وهذا الظن الفاسد باطل بإجماع أهل العلم والإيمان) أهل العلم هم أهل البصيرة بكتاب الله وسنة رسوله، وأهل الإيمان يشمل كل أهل الإسلام؛ ولذلك لا ينقدح في نفس عموم المسلمين الذين لم يتلوثوا بهذه اللوثات البدعية أن معنى قوله تعالى: {فِي السَّمَاءِ} [البقرة:١٤٤] أن السماء تظله أو تقله، لا يرد هذا على خاطر أو بال عوام المسلمين، إنما يفهمون من هذا اللفظ تعظيم الله جل وعلا، وأنه على كل شيء قدير سبحانه وتعالى.
ولو قلت لأحد من المسلمين: هل تفهم من قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] أن السماء تحمل الرب جل وعلا؟ لاقشعر بدنه.
ولو قلت له: هل تفهم من هذا أن السماء تظله؟ لأنكر ذلك؛ وذلك لأن هذا لا يأتي إلا من الظنون الكاذبة التي أشار إليها الشيخ ونبه عليها في أول الكلام، فلو أن المؤمن صان هذا لسلم من هذه الإيرادات الفاسدة.
ثم قال: (فإن الله قد وسع) هذا تقرير لبطلان هذا الظن الكاذب، (فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض) والكرسي: هو خلق من خلق الله، {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:٢٥٥] ، فإذا كان هذا خلقه فكيف به جل وعلا؟ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:٩١] ، لو قدروا الله حق قدره ما دارت هذه الخواطر في قلوبهم، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر:٤١] ، فكيف تحمله وكيف تظله؟ ومعنى (أن تزولا) أي: أن تتحول من مكانها أو أن تعدم، فالزوال يطلق على الأمرين: يطلق على العدم.
ويطلق على تحول الشيء من حال إلى حال.
فتقول: زالت الشمس، أي: تحولت من جهة المشرق إلى جهة المغرب، وتقول: زال الشيء، يعني: انعدم واضمحل، وكلاهما ثابت لله عز وجل، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، أن تتحول وتختل ويفسد نظامها، وأيضاً هو الذي يمسكها عن أن تعدم جل وعلا.
{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج:٦٥] ، والسماء هنا: المراد بها كل ما هو عال، فيدخل فيه إمساكه جل وعلا للشمس والقمر والنجوم والكواكب، لو شاء الله لتساقطت هذه الأجرام العظيمة على الأرض، لكنه يمسكها سبحانه وتعالى، ولا تقع إلا بإذنه جل وعلا، أي: بإذنه الكوني وتقديره سبحانه وتعالى، ولو أن الله سبحانه وتعالى لم يقم عليها لاختل نظامها وسيرها، ولذلك قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم:٢٥] ، تقوم أي: تسير سيراً مستقيماً بما فيها من الكواكب وبما فيها من الخلق الذي لا يعلمه إلا هو جل وعلا.
(بِأَمْرِهِ) ، أي: بأمره الكوني.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.