للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصول منهج أهل السنة والجماعة]

قال: [والإجماع هو الأصل الثالث] .

أيضاً هم سموا بهذا الاسم لاعتمادهم الإجماع.

فهذا ثاني ما سمي أهل السنة من أجله بالجماعة، سموا بأهل الجماعة أولاً: لكونهم مجتمعين يذمون الفرقة والاختلاف، ولكونهم يعدون الإجماع أصلاً من أصول الدين التي يستندون إليها في إثبات العقائد والأحكام، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، والعلم المقصود به ما يعلم من أمور الغيب وما يعلم من أمور الاعتقاد، والدين المقصود به العمل، والمراد أنهم يثبتون به ما يتعلق بالعقائد والأعمال.

قال: [وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين بهذه الأصول الثلاثة، وهي: الكتاب والسنة والإجماع] .

يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من الأقوال والأعمال والعقائد؛ فما وافقها قبل، وما خالفها رد على من قاله كائناً من كان، وهذه الأصول هل هي أصول معصومة؟ نعم معصومة جميعها؛ لأن أول أصل الكتاب وهو معصوم لا إشكال في ذلك، والأصل الثاني السنة الثابتة الصحيحة وهي معصومة، والأصل الثالث الإجماع وهو معصوم؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة.

واعلم أن الإجماع لا يمكن أن يثبت إلا وله مستند من الكتاب أو السنة، فإذا علمت أن أهل العلم أجمعوا على مسألة فاعلم أن لهذه المسألة دليلاً من كتاب الله وسنة رسوله، وبه نعلم أن أهل السنة والجماعة لا يزنون الناس بآرائهم ولا بأذواقهم ولا بأهوائهم، إنما يزنون الناس أقوالاً وأعمالاً وعقائد بهذه الموازين الدقيقة، والمعايير الثابتة البينة، وهي: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة.

قال: [والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح] .

هذا فيه بيان الإجماع الذي يحتج به، وأنه ليس مجرد قول لبعض العلماء اتفقوا عليه أو أجمعوا عليه، الإجماع الذي يستند ويعتمد عليه ويصدر عنه هو ما كان عليه السلف الصالح.

وهذا أجود ضابط في الإجماع المعتبر الذي لا يعذر المرء في مخالفته، ما السبب في ذلك؟ قال: [وبعدهم كثر الاختلاف وانتشر في الأمة] .

أولاً: لكونهم خير القرون بشهادة النبي صلى الله عيه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذي يلونهم، ثم الذين يلونهم) هذا وجه ترجيح إجماعهم بالنظر إلى المجمعين.

أما قوله رحمه الله: [وبعدهم كثر الاختلاف وانتشر في الأمة] .

هذا ترجيح لإجماعهم على غيرهم بالنظر إلى إمكان الإجماع وحصول الاجتماع؛ فإن الصحابة عددهم محصور، وليس المراد كل صحابي ولو لم يكن من أهل العلم، إنما المراد به من يعتبر إجماعهم، من الصحابة العلماء الذين يرجع الناس إليهم، ويصدر عن أقوالهم؛ فإن حصر هؤلاء ومعرفة آرائهم وأقوالهم ممكن وسهل بخلاف العلماء بعد عصر الصحابة؛ فإن الأمة قد كثرت وانتشرت، والخلاف أيضاً كثر وانتشر؛ فيتعذر التحقق من الإجماع؛ ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، ما يدريه لعلهم اختلفوا؟! وهذا صحيح، أما في عهد الصحابة رضي الله عنهم فإن حصر ذلك والتحقق منه ممكن ميسور.

<<  <  ج: ص:  >  >>