التحريف في الأصل: هو الميل بالشيء إلى حرفه، أي: إلى جانبه، فالأصل في التحريف الميل، من حرفت الشيء إذا أملته، والمراد به هنا: إزالة اللفظ عن معناه، أو صرف اللفظ عن معناه الراجح المتبادر إلى المعنى المرجوح من غير دليل، وهذا التحريف يسميه أهله تأويلاً، فحيث ما رأيت في كلام المبتدعة من أهل الكلام التأويل فمرادهم به التحريف، وليس هذا معروفاً في اصطلاح المتقدمين، فإن التأويل في اصطلاح المتقدمين هو التفسير؛ ولذلك يكثر في كلامهم: القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا، ثم يفسر ويبين ويشرح الآية، فالتأويل في لسان القرون المفضلة وسلف هذه الأمة معناه التفسير.
ومما يراد به أيضاً: حقيقة ما يئول إليه الخطاب، وهذا كفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يسبح في ركوعه وسجوده، ويكثر من قول:(سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي) ، يتأول بذلك قوله سبحانه وتعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[النصر:١-٣] فهو يتأول، أي: يعمل بما تضمنته هذه الآية، هذا هو معنى التأويل في كلام السلف وأهل القرون المفضلة، أما التأويل في كلام المتأخرين فهو التحريف الذي فسرناه: وهو إزالة اللفظ عن معناه، أو صرف اللفظ عن معناه الظاهر المتبادر إلى معنى مرجوح من غير دليل.