للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأقيسة الممنوعة والجائزة في حق الله تعالى]

ثم قال رحمه الله: (ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى) وهذا امتداد لنفي التكييف والتمثيل؛ لأن القياس تمثيل وتسوية وتعدية، والقياس الذي نفاه الشيخ رحمه الله في قوله: (ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى) هو قياس التمثيل وقياس الشمول، فقياس التمثيل: هو مساواة الله بغيره من خلقه، وهو ما يعرف عند الأصوليين بإلحاق فرع بأصل لعلة جامعة.

فقياس التمثيل هو: أن يمثل الله جل وعلا بغيره من المخلوقين، ولو في شيء مما ثبت له، فهذا منتفٍ، ولا يمكن أن يقول به مصدق لما جاء في الكتاب والسنة؛ لأن الكتاب والسنة نفيا التمثيل، ونفيا عنه سبحانه وتعالى المثل، وإثبات قياس التمثيل هو إثبات للنظير والمثل، ومخالفة لما أفادته هذه الآيات الدالة على أنه لا مثيل له ولا نظير.

النوع الثاني من القياس المنفي: قياس الشمول، وهذا القياس هو: أن يدخل الله جل وعلا وغيره في قضية عامة كلية تستوي أفرادها، وهذا لا يمكن؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يسوى بغيره، ويدخل هو وغيره في قضية كلية عامة، فهذان القياسان لا يمكن إثباتهما، ولا يجوز لمؤمن أن يثبتهما؛ لدلالة الأدلة على أنه سبحانه وتعالى لا مثيل له ولا نظير، والقياس الذي استعمله أهل السنة والجماعة هو قياس الأولى، وقياس الأولى: هو أن كل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت للمخلوق فالخالق أولى به، وكل نقص تخلى منه المخلوق فإن تنزيه الخالق عنه من باب أولى، هذا هو ضابط قياس الأولى، في الكمالات: كل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أولى به، وفي العيوب والنقائص: كل ما تنزه عنه المخلوق من العيب والنقص فتنزيه الخالق منه من باب أولى، ودليل هذا القياس الذي أثبته أهل السنة والجماعة قوله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:٦٠] ، وقوله: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [الروم:٢٧] ، هذا هو دليل جواز إثبات قياس الأولى في باب الأسماء والصفات.

لكن يجب أن نتنبه إلى أن هذا القياس -الذي هو قياس الأولى- لا يمكن أن نثبت به شيئاً لم يرد إثباته في الكتاب والسنة، أو ننفي به شيئاً لم يرد نفيه في الكتاب والسنة.

إذاً: ما فائدة هذا القياس إذا كان لا يفيدنا في الإثبات ولا يفيدنا في النفي؟ فائدته في إثبات ما جاءت به النصوص أو نفي ما جاءت النصوص بنفيه عن الله عز وجل بدلالة العقل، وتنبه لهذا، فقل من ينبه عليه أو ينتبه له؛ حتى لا نضطرب ولا نعارض ما تقدم من أننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، وأننا لا ننفي عنه ما وصف به نفسه، نعلم بهذا كله أن قياس الأولى الذي أثبته أهل السنة والجماعة واستعملوه هو في الاستدلال لما ثبت بالكتاب والسنة من جهة العقل، وإلا فإنه لا يقوى في إثبات أمر لم يدل عليه الكتاب أو السنة، كما أنه لا يقوى في نفي ما لم يدل الكتاب أو السنة على نفيه.

وبهذا يتبين لنا أن القياس في باب الأسماء والصفات ثلاثة أنواع: نوعان ممنوعان، ونوع جائز، النوعان الممنوعان هما: قياس التمثيل وقياس الشمول، والنوع الجائز هو قياس الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>