للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفضيل أبي بكر وعمر على غيرهما]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المصنف رحمه الله: [ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بـ عثمان، ويربعون بـ علي رضي الله عنهم كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في علي وعثمان رضي الله عنهما -بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربعوا بـ علي، وقدم قوم علياً، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة؛ وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله] .

قال رحمه الله: (ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره) يعني: ونقل عن غيره أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر.

هذا هو القسم الثاني من المراتب وهو: بيان المراتب على وجه الانفراد، فأفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبو بكر رضي الله عنه، وهذا ثابت في كثير من النصوص التي مجموعها يفيد أن تفضيل أبي بكر وعمر على غيرهما لا ريب فيه، وهو الذي أجمع عليه سلف الأمة، واتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم، وإنما خص رحمه الله النقل عن علي لكونه ممن وقع فيه الخلاف بين أهل القبلة، فممن ينتسب إلى الإسلام من يفضله على أبي بكر وعمر، فأتى بالنقل عنه لكونه محور الخلاف مع بعض الطوائف.

فقال: (ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر) ، وهذا قد ثبت عن علي رضي الله عنه من نحو ثمانين وجهاً، وهو أنه قال: خير الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، في خلافته وبين أنصاره، حتى لا يقول قائل: إنه إنما قال ذلك خشية السلطان أو تقية، إنما قال ذلك في أوج سلطانه وبين أنصاره، حتى إنه قال في منبر الكوفة: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد الفرية؛ وذلك لثبوت تقديم هذين على غيرهما.

وإنما حصل تقديم غيرهما عليهما من متأخري الشيعة الذين سموا رافضة، فإنهم سموا رافضة لأنهم رفضوا زيد بن علي حين سألوه عن أبي بكر وعمر، فأثنى عليهما، فرفضوه، فسموا بذلك رافضة، فتفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أمر ثابت، عليه أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً، بل حتى متقدمي الشيعة لا يناقشون في تفضيل أبي بكر وعمر على غيرهما، وإنما جرى ذلك عند متأخريهم.

قال: (ويثلثون) يعني: في الفضل والمرتبة (بـ عثمان ويربعون بـ علي رضي الله عنهم) فهؤلاء هم صفوة الصحابة وخيرهم على هذا الترتيب.

يقول: (كما دلت عليه الآثار) فتفضيل أبي بكر وعمر استند إلى النقل المتواتر، وفي التثليث بـ عثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كما دلت عليه الآثار) ؛ لأن من نظر إلى الآثار علم أن عثمان رضي الله عنه مقدم على علي رضي الله عن الجميع، كما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، فهذا دليل من الأدلة على تقديم عثمان على علي، فإن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما تولى طلب الرأي والمشورة من الصحابة فيمن يتولى الأمر بعد عمر: علي أو عثمان، بقي ثلاثة أيام يسأل كل أحد من أعيان الصحابة بل ومن غيرهم، حتى النساء يسألهن، قال عبد الرحمن رضي الله عنه: لم أرهم يعدلون بـ عثمان أحداً، فقدمه رضي الله عنه على علي، وبويع بالخلافة بيعة رضا ورغبة لا خوف ورهبة، وهذا مما يستدل به أهل السنة والجماعة على فضيلة عثمان رضي الله عنه على علي رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>