وقوله:{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}[النساء:٥٨] ، هذا أيضاً فيه إثبات هذين الوصفين لله سبحانه وتعالى، وهذا في آية النساء التي فيها قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}[النساء:٥٨] ، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية، ولما بلغ قوله (سميعاً بصيراً) أشار بإبهامه إلى أذنه، وبسبابته إلى عينه، وهذا ثابت في السنن بسند صحيح، فما المراد من هذه الإشارة؟ هل المراد من هذه الإشارة التمثيل؟ لا، وحاشا أن يريد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك التمثيل، إنما مراده تحقيق اتصاف الله عز وجل بهذه الصفة، وأنه موصوف بها على حقيقتها، وهذا فيه الرد على الذين تأولوا هاتين الصفتين، فقالوا: السمع والبصر في كتاب الله المراد بهما العلم، وهذا عليه طائفة من المتكلمين، فقالوا: إن قوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ، لا نثبت منه سمعاً ولا بصراً، إنما نثبت به لله عز وجل صفة العلم، وهذا بخس لما دلت عليه النصوص، وجناية على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن صفة العلم ثابتة لله عز وجل ولا إشكال في ثبوتها، وقد أضافت النصوص صفتي السمع والبصر إلى الله؛ فوجب إثبات هذين له سبحانه وتعالى، وهما غير العلم؛ ولذلك ورد ذكرهما في كتاب الله عز وجل منفصلين، ولو كان المراد بهما العلم لكفى أحد الوصفين عن الآخر لإثبات العلم، ولاقتصر على أن يقول: وهو البصير، أو يقول: وهو السميع، ويحصل بذلك المقصود في إثبات العلم، ففرق الله جل وعلا بين هذين الوصفين في كثير من الآيات، ففي الآية الأولى:(وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ، وفي الثانية:(إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) ، وقال سبحانه وتعالى لموسى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:٤٦] ، فدل ذلك على أن كل وصف مستقل عن الآخر.
ثم إن الله سبحانه وتعالى قد قرن بين السمع والعلم في آيات عديدة، فدل ذلك على أنهما وصفان، وليسا وصفاً واحداً، ومن ذلك قوله تعالى:{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف:٢٠٠] ، فدل ذلك على أن السمع غير العلم، ومن فسر السمع بالعلم فقد جنى على النصوص، ولم يثبت ما أثبتت.