[وجوب الإيمان بمعية الله لخلقه وأن ذلك لا ينافي علوه سبحانه]
قال المصنف رحمه الله: [وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:٤]] .
هذا فيه إثبات معية الله عز وجل لخلقه، فهو سبحانه وتعالى مع خلقه، لكن أعلم أن (مع) في كلام العرب تفيد مطلق المقارنة، ولكن لا يلزم منها مماسة ولا مخالطة، وهذا ما سيبينه المؤلف رحمه الله، وإنما بين المؤلف هنا أن الله سبحانه وتعالى متصف بمعيته لخلقه، فهو معهم أينما كانوا، ثم بين مقتضى ولازم هذه المعية فقال: يعلم ما هم عاملون، وهذا -يا أخي- ليس تأويلاً ولا تحريفاً كما يزعمه المشاغبون على أهل السنة والجماعة، فإنهم يقولون لأهل السنة: أنتم أولتم المعية بالعلم.
فنقول: ليس بصحيح، نحن لم نؤول المعية بالعلم، بل نقول: إن المعية ثابتة لله عز وجل، ومن مقتضاها وحكمها ولازمها أنه سبحانه وتعالى مهيمن على خلقه، مطلع عليهم، عالم بهم، فكثير من معاني الربوبية يثبت بإثبات معية الله عز وجل للخلق، ولكن لا نقول: إنه ليس مع خلقه، أو ننفي عنه هذا الوصف الذي وصف به نفسه؛ ولذلك المؤلف رحمه الله قدم إثبات الوصف ثم بين لازمه، وهم يقولون في الصفات التي ينفونها: لا يد لله، ولا سمع لله، ولا حكمة لله، فينفون الصفة ويحرفونها، وأهل السنة ما فعلوا هذا، وإنما أثبتوا ما أثبته الله لنفسه، ثم بينوا لازم ذلك وحكمه ومقتضاه، هذا هو الفارق بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم من أهل البدعة والضلالة.
ولذلك قال:(وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون) ، وقوله:(يعلم ما هم عاملون) يشمل الفعل والقول، عمل القلب، وعمل الجوارح.
قال:(كما جمع بين ذلك في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا}[الحديد:٤] ، مع استوائه على العرش جل وعلا:{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}[الحديد:٤] ) ، هذه جملة حالية، أي: قوله: (يعلم) جملة حالية، من قوله: استوى على العرش، يعني: استوى على العرش حال كونه جل وعلا عالماً ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، فاستواءه جل وعلا على عرشه لم يمنعه من أن يحيط علمه سبحانه وتعالى بشئون خلقه وبأمر مملكته سبحانه وتعالى، بل هو المحيط بكل شيء.
ثم قال:( {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:٤] ) بعد أن ذكر العلم أثبت المعية.
ثم قال:( {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:٤] ) فأعاد ذكر سعة علمه سبحانه وتعالى، حيث قال:{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد:٤] ، مع أنه داخل في عموم قوله:{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}[الحديد:٤] ؛ لأن مما يخرج من الأرض عمل بني آدم، فالعمل الصالح يرفع إلى الله جل وعلا، وتعرض أعمال العباد على الله عز وجل، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل كما في الصحيح، والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.