بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المصنف رحمه الله: [ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل] .
(يتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم) الروافض: اسم لطائفة، وهم الذين رفضوا زيد بن علي لتوليه أبي بكر وعمر، سئل الإمام أحمد: من الرافضي؟ قال: الذي يبغض أبا بكر وعمر.
وهذا حد ضابط؛ لأن من أبرز ما عرفوا به وأشهر ما اختصوا به بغضهم لـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما الإمامان الجليلان وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه، فهؤلاء سبوا وأبغضوا، قال المؤلف:(الذين يبغضون الصحابة) وهذا أمر قلبي، (ويسبونهم) وهذا أمر قولي، فجمعوا في التقصير في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فساد القلب وسوء القول، وأهل السنة الجماعة هداهم الله إلى الطريق الوسط، والصراط المستقيم، فسلموا من هذه البدعة، فلم يقعوا في أحد من الصحابة، بل ألسنتهم بريئة من ذم أو همز أو سب أو نيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف وهم خير القرون الذين أثنى الله عليهم في كتابه في مواضع عديدة؟ واعلم أن سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلو من أحوال: القسم الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفرهم، أو يقتضي كفر أكثرهم، وهذا صاحبه كافر، يعني: سبهم بما هو كفر، وعابهم بما هو كفر كأن يقول: إن الصحابة ارتدوا، أو الصحابة خانوا وكذبوا، فهذا سب لهم بما هو كفر، وقائله كافر، لماذا؟ لأنه قادح في الكتاب والسنة، وطاعن في الرسالة.
القسم الثاني: سبهم باللعن والتقبيح دون الكفر، يعني: لا ينسبهم إلى ما هو كفر، إنما يلعن ويقبح ويذم، وهذا اختلف العلماء في كفره على قولين، لكن على القول بأنه لا يكفر فالواجب أن يعاقب عقوبة بليغة تردعه.
القسم الثالث في السب: أن يسبهم بما ليس فيه نقص في دينهم، كأن يقول: هم جبناء، أو يقول: فلان منهم جبان، أو ما أشبه ذلك مما لا ينقص به دينهم، فهذا صاحبه يعزر ولا يكفر، هكذا قسم شيخنا رحمه الله أحوال الساب.
واعلم أن شيخ الإسلام رحمه الله أطلق الخلاف بين أهل العلم في سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا التقسيم يبين لنا مواضع الخلاف ومواضع الاتفاق، فسب المجموع أو الجمهور من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر، إذا كان السب من لازمه نسبتهم إلى الكفر أو الردة، وأما ما دون ذلك فهو الذي جرى فيه الخلاف بين أهل العلم، فهؤلاء سبوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واستثنوا منهم بضعة عشر فتولوهم، وعليهم حملوا النصوص الواردة في فضل الصحابة وما يجب لهم من التقدير والاحترام، بل غلوا في بعضهم حتى أبلغوه درجة الإلهية، كما غلوا في علي بن أبي طالب، وكما غلوا في الأئمة الذين قالوا: إنهم معصومون.
قابل هؤلاء النواصب وأشار إليهم المؤلف في قوله:(وطريقة النواصب) ، نواصب: جمع ناصب، وهو من ناصب العداوة أهل البيت، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رسول الله، فأفضل أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، آذوهم بقول إما بسب، أو شتم، أو لعن، أو تكفير، أو تفسيق، أو بعمل، وذلك بأن يوصل إليهم الأذى الحسي، ومنه أذى قبورهم إن عرفت بأن يلقى عليها القاذورات أو تمتهن، فإن هذا من الإيذاء وإن كان لا يصل إليهم بذواتهم، لكن هو إيذاء معنوي نظير السب والشتم، بل هو أشد.