الرحمة جاء ذكرها في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم على نحوين: الأول: يراد به الصفة القائمة بالله عز وجل، كقوله في الحديث:(سبقت رحمتي غضبي) ، وفي الآية:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام:٥٤] ، فالمكتوب هنا هو رحمته التي وصف بها.
الثاني: يأتي ذكر الرحمة في كلام الله عز وجل والمقصود بها آثارها ومتعلقاتها؛ كقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[الأعراف:٥٧] ، فالرحمة هنا ليست صفته، إنما هي أثر الصفة، وهذا ليس خاصاً بالرحمة، بل عدة صفات تذكر ويراد بها مسمى الصفة، وتارة تذكر ويراد بها متعلقها وأثرها، من ذلك قوله تعالى:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[لقمان:١١] ، فالمشار إليه هنا هل هو الصفة القائمة بالله عز وجل أو أثر هذه الصفة، وهو خلقه جل وعلا؟ المراد الأثر، وهذا بالنظر والتتبع أمثلته عديدة في كتاب الله عز وجل، المهم أن اسم الصفة يطلق ويراد به مسمى الصفة، وهو ما يتصف به سبحانه وتعالى، ويطلق ويراد به أثرها ومتعلقها، ومثالها:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام:٥٤] ، هنا أطلق اسم الصفة وهو يريد الصفة القائمة بالله، أي: مسمى الصفة، وفي قوله:{فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[الروم:٥٠] ، المراد هنا الرحمة التي تشاهد وتدرك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله خلق مائة رحمة) ، فالرحمة المخلوقة ليست هي صفته؛ لأن صفته سبحانه وتعالى ليست مخلوقة، والرحمة ذكرنا أنها من الصفات الفعلية الاختيارية التي يثبتها أهل السنة والجماعة كسائر ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.