جاء هذا اللفظ:[عياناً] في صحيح البخاري، ففي بعض روايات صحيح البخاري قال في حديث الرؤية:(يرونه عياناً) ، وهذه الكلمة فيها رد على الأشاعرة الذين أنكروا الرؤية التي يثبتها أهل السنة والجماعة، فقالوا: إنه يرى لكن من غير معاينة ولا مواجهة، وهذا يرده عليهم النصوص والعقل، فإنه لا يعقل شيء يرى بغير معاينة ولا مواجهة؛ ولذلك كان قولهم ضحكة عابهم فيه كل أحد، وهو معلوم الفساد بالضرورة، فإنه لا يمكن أن تحصل الرؤية إلا بمعاينة ومواجهة؛ ولذلك قال متأخروهم بإنكار الرؤية، لما رءوا أن قولهم: إنه يرى بلا معاينة ولا مواجهة؛ قول فاسد، ولم يتمكنوا من الإجابة على ما ورد عليهم، فقالوا: ننكر الرؤية، والرؤية هي الكشف، ورؤية الثواب، وما إلى ذلك من التأويلات الباردة، والتحريفات التي هي من جملة تحريف الكلم عن مواضعه.
قال رحمه الله في تقرير هذه الرؤية:[كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب] ، وهذا يكون بمعاينة ومواجهة أو لا؟ نعم، تكون الرؤية بمعاينة ومواجهة في هذا المقام، فالرؤية بمعاينة ومواجهة؛ ولذلك شبه النبي صلى الله عليه وسلم الرؤية بالرؤية، ومن لازم التشبيه أن تكون الرؤية نظير ما ندركه من رؤية الشمس والقمر، ونحن لا ندرك من رؤية الشمس والقمر إلا ما كان فيه معاينة ومواجهة.
قال:[كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته] أي: لا يلحقهم ضيم ولا ضير في رؤيته جل وعلا.
ثم بين المؤلف رحمه الله وقت رؤية الله فقال:[يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة] ، عرصات القيامة يعني: في أرض المحشر، والعرصات جمع عرصة، وهي الفناء الواسع الذي لا بناء فيه، يرونه سبحانه كما دل على ذلك حديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما من أصح الأحاديث، فإن فيهما:(ينادى في أرض المحشر: ليتبع كل من كان يعبد شيئاً معبوده، فيتبع الذين يعبدون الصليب الصليب، ويتبع الذين يعبدون الأصنام الأصنام، ولا يبقى إلا هذه الأمة وفيها منافقوها، فيتجلى لهم الرب سبحانه وتعالى بغير الصورة التي يعرفونها، ثم يتجلى لهم سبحانه وتعالى بالصورة التي يعرفونها -مما وصفته لهم الأنبياء- فيسجد أهل الإيمان، ويمنع أهل النفاق من السجود) .
وهذه الرؤيا التي تكون في أرض المحشر رؤية التعريف، وأما الرؤية التي يحصل بها النعيم التام الكامل فهي ما يكون في الجنة، وهي التي أشار إليها رحمه الله في قوله:[ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله سبحانه وتعالى] فإن الرؤية التي تكون في الجنة هي أعلى نعيم أهل الجنة، وهي متفاوتة تفاوتاً كبيراً، ويختلف فيها الناس بحسب ما معهم من الإيمان والتقوى والإحسان، وكلما ازداد العبد إيماناً وتقوى كلما كان نصيبه من هذه الرؤية أوفر.