قال رحمه الله:[وتنشر الدواوين] تنشر أي: تفرق، فالنشر أصله التفريق، والدواوين جمع ديوان، وما هو الديوان؟ الديوان في الأصل هو السجل الذي يكتب فيه، والمراد به: الكتاب الذي في أيدي الحفظة، فإنه ينشر يوم القيامة ويؤتى به، قال الله جل وعلا:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٧-١٨] ، يسجل، وقال سبحانه وتعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ}[الانفطار:١٠-١١] ، يكتبون العمل، وقال جل وعلا:{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية:٢٩] ، فدل ذلك على أن عمل الإنسان وما يكون منه مكتوب مسجل، وهذا المكتوب المسجل ينشر.
قال المؤلف رحمه الله:[وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال، والناس في هذا الموقف بين مسرور ومثبور، فآخذ كتابه بيمينه -وهذا هو المسرور نسأل الله أن نكون منهم- وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره -وهذا هو المثبور نعوذ بالله من الخسران-] .
كما قال الله تعالى:{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}[الإسراء:١٣] ، طائره يعني: عمله؛ لأن العمل به يعلو الإنسان، وبه يهوي وينزل، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) وقيل: إن الطائر هو القرطاس، وكان يستعمله العرب في ضربهم للأزلام، والمراد واضح: أنه يلزم ما كان منه من عمل، {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ}[الإسراء:١٣] ، وأين يلزم؟ {فِي عُنُقِهِ}[الإسراء:١٣] ، وهذا دليل على شدة الملازمة وقربها، وعدم التمكن من الانفكاك منها، فما كان في الرقبة لا سبيل للتخلص منه.
{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا}[الإسراء:١٣] ، وهذا الكتاب ما هو؟ هو كتابه الذي كان يرصد فيه عمله، ويسجل فيه ما يكون منه، {يَلْقَاهُ مَنشُورًا}[الإسراء:١٣] ، أي: مبسوطاً مفرقاً واضحاً.
{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:١٤] ، فيؤمر بقراءة كتابه، ويقال له: نكتفي من حسابك بمحاسبتك لنفسك، فيكون الإنسان على نفسه حسيباً يوم القيامة.