للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق التي ضلت في صفة المحبة والرد عليهم]

دلت النصوص على إثبات هذين النوعين لله سبحانه وتعالى، وهي من الصفات الفعلية، وقد ضل في ذلك الجهمية، فأنكروا المحبة من الطرفين، فقالوا: إن الله لا يحِب ولا يُحَب! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، قالوا: إن الله لا يحب أحداً من عباده، ولا يحبه أحدٌ من عباده، سبحان الله العظيم! كيف يجرءون على هذا، ويعطلون ما دل عليه الكتاب والسنة؟! وعلتهم في هذا النفي أنهم: قالوا: إن المحبة إنما تكون بين متناسبين، ولا نسبة بين الخالق والمخلوق.

هكذا زعموا وافتروا في إبطال ما أثبته الله لنفسه من محبته لعباده، وما أثبته من محبة عباده له.

والجواب على هذا أن يقال: كذبتم بأنه لا مناسبة بين الخالق والمخلوق، ولا يلزم من ثبوت المحبة بين شيئين أن يكون بينهما تناسب، فالإنسان يحب سيارته ومركبه وبيته، وهل هناك تناسب بين الجماد والإنسان؟ ليس هناك تناسب، النسبة منقطعة بينهما تماماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جبل أحد: (أحد جبل يحبنا ونحبه) ، فأثبت له المحبة من طرفين وليسا متناسبين، هذا على التسليم بما قالوه من الشبهة التي عطلوا بها المحبة، وهي: لا نسبة بين الخالق والمخلوق، والصحيح أننا نمنع هذه الشبهة، ونقول: أعظم المناسبات هي المناسبة بين الصانع والمصنوع، فهو الذي خلقك ورزقك، ومن كل خير أمدك، فما بك من نعمة فمن الله، فكيف بعد هذا كله نقول: لا مناسبة بين الخالق والمخلوق، بل أعظم المناسبات هي بين الخالق والمخلوق، يعني: أعظم الأسباب التي يقوم من أجلها الحب هو ما كان بين الخالق والمخلوق؛ ولذلك كان من أسمائه: الإله، وهو الذي اشتق منه أعظم أسمائه وهو الله، الله أصله الإله؛ حذفت منه الهمزة للتسهيل، كأناس يقال: الناس، ولا يقال الأناس للتسهيل، ومن هو الإله؟ الإله هو المألوه الذي تتعلق به القلوب محبة وتعظيماً، فكيف يقال بعد هذا: لا مناسبة بين الخالق والمخلوق؟! إذاً: أبطلنا شبهتهم بالمنع والتسليم، يعني: سواء سلمنا لكم فيما تقولون من دعوى، أو أننا أبطلنا دعواكم؛ فعلى كلا الأمرين قولكم ليس بصحيح، بل أعظم المناسبة هي بين الخالق سبحانه وتعالى وبين المخلوقين.

والطائفة الثانية التي ضلت في هذه الصفة هم الذين قالوا: إنه لا يحِب ولكنه يحَب، فعطلوا محبة الله لعباده، وأثبتوا محبة المخلوق للخالق.

وهؤلاء الجواب عليهم أن يقال: كيف تنكرون ما جاءت النصوص بإثباته، فهم مثل الفرقة الأولى إلا أنهم أهون بدعة منهم.

والصحيح أن يثبت الأمران لله سبحانه وتعالى، فهو الذي يحِب ويحَب جل وعلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>