للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات أن الله يفرح ويضحك ويعجب]

[وقوله صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن التائب من أحدكم براحلته) متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة) متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب) حديث حسن] .

هذه الأحاديث الثلاثة فيها إثبات صفة الفرح والضحك والعجب لله سبحانه وتعالى، وكلها صفات فعلية اختيارية، أما الضحك فإنه قد جاء من طرق كثيرة بلغت حد التواتر، فثبوته مستفيض في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صفة كمال؛ لأن الضحك في موضعه صفة كمال، وكل كمال اتصف به المخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالخالق أولى به، وهذا الدليل يسميه أهل العلم قياس الأولى.

فإذا كنا نقر بأن الضحك كمال في موضعه، يعني: عند وجوب موجب الضحك فإننا نثبته لله سبحانه وتعالى عقلاً كما أنه ثابت بالنص، فالنص قد أثبته في أحاديث كثيرة متواترة كما تقدم، وهذا منها.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدها الآخر كلاهما يدخل الجنة) فهذا فيه إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى، ولا يلزم عليها أي نقص في حقه سبحانه وتعالى.

والمؤولون المعطلون المحرفون للكلم عن مواضعه قالوا: إن الضحك خفة في الروح ناتجة عن حصول ما ينفع أو اندفاع ما يضر، هذا معنى الضحك عندهم، وإذا كان كذلك فإنه منتفٍ عن الرب، فالرب لا يضحك، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يضحك الله إلى رجلين) وهؤلاء يقولون: الله جل وعلا لا يضحك؛ لأن الضحك خفة، والله منزه عنها! نقول: أنتم عرفتم الضحك بالنسبة للمخلوق، أما الخالق: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، يجب إثبات ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وإلا فإننا لم نسلم له صلى الله عليه وسلم القياس، ولم نؤمن به حق الإيمان؛ لأن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله تصديقه فيما أخبر، وهو يخبرنا بأن الله يضحك، وهؤلاء المحرفون يقولون: لا يضحك، هل يستقيم هذا في العقل؟ وهل يكون هذا ممن عظم الله حق تعظيمه؟ وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ المهم أن هؤلاء أنكروا الضحك، فلما ورد الضحك في السنة النبوية في مواضع كثيرة فإنه يحتاج عندهم إلى التحريف والتأويل، فقالوا: الضحك هو إبانة الفضل، والضحك: هو إرادة الثواب والإحسان، والضحك: الإخبار بالرضا عن الفعل، كل هذا فراراً من إثبات ما أثبته الله لنفسه، وكل هذه المعاني تفسير للضحك بلازمه، ونحن لا ننكر اللازم، فهو معنىً صحيح ثابت، لكن هل تثبتون لله هذا الوصف؟ يقولون: لا.

نقول: إذاًَ: لم تؤمنوا بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نثبت هذا الوصف لله، ونقول: إن الله يضحك وهو موصوف بالضحك جل وعلا، لكن لا يلزم من ذلك مماثلة المخلوقين.

ثم إن من لازم ضحكه جل وعلا رضاه وإثابته، وما إلى ذلك من المعاني الأخرى التي تثبت بثبوت هذه الصفة.

أول ما بدأ به المؤلف رحمه الله من الصفات صفة الفرح، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته) ، وهذا فيه إثبات صفة الفرح لله سبحانه وتعالى، وفرحه بتوبة العبد من كمال جوده وإحسانه وبره ورحمته بعبده، حيث يفرح بالتوبة وهو الذي وفقه إليها.

والمنتفع من التوبة من؟ العبد نفسه! فإنه قد قال سبحانه وتعالى: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) كما في الحديث الإلهي حديث أبي ذر.

فالمنتفع العبد لكن الله جل وعلا جوداً منه وكرماً وبراً وإحساناً ولطفاً يفرح بتوبة عبده، فالفرح صفة فعلية اختيارية للرب جل وعلا، ثبت وصف الله بها في أحاديث متعددة، وتلقاها أهل السنة بالقبول، وأثبتوها للرب سبحانه وتعالى.

المحرفون المبطلون قالوا: الله لا يفرح ولا يوصف بالفرح؛ لأن الفرح لذة تقع في القلب بإرادة المحبوب ونيل المشتهى، هكذا زعموا.

قيل لهم: إذا كان هذا في حق المخلوق فالخالق ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهم لهم عدة شبه، ونحن عندما نذكر بعض شبههم في إبطالهم ما أثبته الله لنفسه، ليس ما نذكره حصراً لشبههم في إبطال ما وردت به النصوص من إثبات الصفات الفعلية للرب سبحانه وتعالى.

والجواب على هذه الشبهة الباطلة أن يقال: نثبت الفرح من غير أي لازم باطل، كما أثبته سبحانه وتعالى لنفسه، ونجري فيه كما جرينا في غيرها من الصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

ثالث ما ذكره المؤلف رحمه الله: الحديث الذي فيه إثبات العجب لله سبحانه وتعالى: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره -يعني: وقرب تغييره سبحانه وتعالى مثل تغييره القحط إلى الخصب، ومنع القطر إلى إدراره- ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك، يعلم أن فرجكم قريب) فأثبت هنا وصفين: وصف العجب، ووصف الضحك.

أما الضحك فقد ذكرنا أنه ثابت بأحاديث متواترة.

أما العجب فقد جاء في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات:١٢] في قراءة حمزة، والكسائي، وخلف، والباقون قرءوا (بل عجبتَ ويسخرون) ويكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أما بالضم فهو مضاف إلى الله سبحانه وتعالى، فالتاء في (عجبت) ضمير الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى.

والعجب وصف كمال له سبحانه وتعالى، نثبته كما أثبته الله لنفسه في كتابه على هذه القراءة، وكما أثبتته السنة في أحاديث متعددة.

<<  <  ج: ص:  >  >>