قال تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:٣] ، ما تقدم كله صفات ثبوت، وصفات وجودية، وقوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:٣] هذا أول الصفات السلبية، وأول النفي المذكور في هذه السورة، وهذا هو نفي للتفصيل، (لم يلد) فلم يتفرع عنه شيء، فليس له فرع، (ولم يولد) فلم يتفرع عن شيء، فلا أصل له، فهو سبحانه وتعالى المنزه عن الأصل والفرع؛ وذلك لكمال الله وكمال قيوميته سبحانه وتعالى، فلا يحتاج إلى أصل ينتسب إليه، ولا إلى فرع يستند إليه أو يتقوى به، بل هو الغني سبحانه وتعالى، فهل أفادنا هذا النفي معنى ثبوتياً أم لا؟ وهل هو نفي محض؟ الجواب: لا، إنما هو نفي لإثبات كمال الغنى، هذا من حيث المعنى العام، ونفي ما وصفه به الجاهليون من أن له ولداً، كما قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقال المشركون: الملائكة بنات الله، فكل هذا منفي بقوله سبحانه وتعالى:(لم يلد) ، وهذا النفي في هذه الآية لبيان كمال صمديته سبحانه وتعالى؛ ولذلك فسر جماعة (الصمد) بأنه الذي لم يلد ولم يولد.
ثم قال:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ، وهذا فيه النفي أيضاً، ووصفه سبحانه وتعالى بالنفي والسلب، وهو نفي وسلب إجمالي، والمراد منه نفي الشريك، ونفي النظير وهو المثيل العديل؛ وذلك لكمال تفرده سبحانه وتعالى بصفات الكمال، وهو معنى قوله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] ، ومعنى قوله تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}[مريم:٦٥] ، ومعنى قوله:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً}[البقرة:٢٢] ، ومعنى قوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[الإخلاص:٤] ، فهذا نفي مجمل لبيان كمال انفراده سبحانه وتعالى.
واعلم أنه سبحانه وتعالى لا كفؤ له في أسمائه، ولا كفؤ له في صفاته، ولا كفؤ له في أفعاله، ولا كفؤ له في شيء من أموره، بل ولا فيما يجب له؛ ولذلك إذا جمعت بين أول هذه السورة وآخرها وبين قوله:(اللَّهُ أَحَدٌ) ، وبين قوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} اجتمع لك غاية التوحيد بنفي التمثيل ونفي الشريك، وبهذا يصح ما ذكره الشيخ رحمه الله من أن هذه السورة وما ذكر فيها من أوصاف داخلة في الجملة المتقدمة التي اختطها أهل السنة والجماعة، وسار عليها سلف الأمة من إثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، والإقرار بأن الله سبحانه وتعالى جمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات.