للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معاني الاستواء الواردة في الكتاب والسنة]

اعلم أن الاستواء في اللغة ورد على نحوين، وهو كذلك في بعض المواضع في كتاب الله عز وجل، ورد مطلقاً وورد مقيداً، فالمطلق في مثل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص:١٤] ، ومعنى الاستواء هنا: الكمال والنضج، وهذا لم يعد بالحروف، وهو غير مقيد بحرف، وقد ورد في اللغة مقيداً على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: مقيد بـ (إلى) ، ومعنى الاستواء هنا: الارتفاع والعلو بإجماع السلف، وذلك في مثل قوله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:٢٩] ، فهنا بإجماع السلف وإجماع أهل اللغة أنه بمعنى: علا وارتفع.

الثاني: تعديته بـ (على) كالآيات التي معنا، وهذا بإجماع السلف أنه العلو والارتفاع، وذكرنا لكم ما ورد عن السلف من كلمات في بيان معنى الاستواء.

الثالث: تقييده بالواو، كقول القائل: استوى الماء والخشبة، فهنا يفيد المعية أو التسوية والمعادلة، وهذا لم يرد له ذكر في كلام الله عز وجل.

نقرأ ما ذكر المؤلف رحمه الله من الآيات التي أوردها في إثبات هذه الصفة.

قال رحمه الله: وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] ، أي: ذكر الاستواء في سبعة مواضع، أولها في سورة الأعراف، في قوله: {إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] ، والعرش خلق من خلق الله عظيم؛ وصفه الله عز وجل في كتابه بالمجيد، ووصف الشيء بهذا الوصف دليل على سعته وكمال صفاته، وهو من حيث اللغة سرير الملك، وهو خلق من خلق الله عظيم استوى عليه الله جل وعلا.

وقال في سورة يونس عليه السلام: {إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس:٣] ، هذا أيضاً فيه ما تقدم.

وقال في سورة الرعد: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد:٢] .

وقال في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] ، ومن تشبيه بعض المشبهين: أنه جعل الوقف لازماً على قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ) ، ثم جعل ابتداء الكلام من قوله: (استوى له ما في السموات) ، وهذا من التحريف البارز؛ لأنه إذا استقام له هنا فكيف يستقيم له في الآيات السابقة التي لا يمكن له فيها مثل هذا التحريف، فهناك: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) في سورة الأعراف والرعد.

وقال في سورة الفرقان: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان:٥٩] ، وقال في سورة (آلم السجدة) : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة:٤] ، وقال في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:٤] ، كل هذه الآيات فيها إثبات هذه الصفة الخبرية السمعية الفعلية لله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>