قال رحمه الله:[فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون] .
يقول رحمه الله:[فتعاد الأرواح إلى الأجساد] ، وهذا مما أجمع عليه أهل الإسلام، ولم يخالف فيه إلا الفلاسفة الذين قالوا: إن البعث لا يكون للأبدان، بل البعث للأرواح فقط! وهؤلاء مكذبون لما علم من الدين بالضرورة، وما جاءت به الرسل، فإن الرسل أخبروا بأن الأرواح تعاد إلى الأجساد، وأن الناس يخرجون من قبورهم في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل وفي السنة، فهذا أمر كما قال المؤلف رحمه الله أجمع عليه المسلمون، ولم يخالف فيه إلا الفلاسفة الموحدون الذين قالوا: إن الإعادة إنما هي فقط للأرواح دون الأبدان.
ثم قال رحمه الله: [وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً، وتدنو منهم الشمس، ويلجمهم العرق، فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون:١٠٢-١٠٣] ، وتنشر الدواوين -وهي صحائف الأعمال- فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره كما قال سبحانه وتعالى:{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:١٣-١٤]] .
قال الشيخ رحمه الله:[وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون] ، وهذا القيام يكون بعد النفخ في الصور، وهي النفخة الثالثة التي تعاد بها الأرواح إلى الأبدان كما قال الله جل وعلا:{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:٦٨] ، فهذه هي نفخة البعث، وقد دل على هذا -كما ذكر المؤلف رحمه الله- الكتاب والسنة وإجماع السلف.
فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين لا لغيره؛ لأنه جل وعلا الملك الذي وصف نفسه في أم الكتاب بقوله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:٤] ، مالك يوم الحساب، لا مالك إلا الله سبحانه وتعالى.
(حفاة عراة غرلاً) وهذا فيه وصفهم عند قيامهم، وأنهم يعودون كهيئتهم في خلقهم الأول، (حفاة) فلا شيء يقي أقدامهم، (عراة) فلا شيء يقي أبدانهم، (غرلاً) لم ينقص منهم شيء، فيأتون على أكمل هيئة، لا نقص في أبدانهم، ولا شيء يواري أجسادهم، ولا يقي أقدامهم شيء في ذلك الموقف العظيم الذي تشيب منه الولدان كما قال جل وعلا:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:١٠٤] ، فيعيد الله عز وجل الخلق على هيئتهم الأولى، وتبعث الأجساد التي طاعت واستقامت، وتبعث الأبدان التي عصت وطغت؛ ولذلك تشهد عليك جوارحك يوم القيامة، ولا يشهد إلا ما شاهد، فإنها تبعث يوم القيامة وتشهد عليك، فالبعث للأبدان التي كانوا عليها في الدنيا، وإن كان يعطيهم الله جل وعلا من القوى ما ليس لهم في الدنيا، فإن الشمس -كما سيأتي- تدنو من رءوس الخلائق، ولو كان هذا في دنيانا هذه لاحترق الكون، واحترقت الأبدان، لكن يمدهم الله سبحانه وتعالى بخلق يستعينون به على مواجهة أهوال ذلك اليوم، ويناسب الحال الأخروية التي لا موت بعدها ولا فناء، ولا يلزم من هذا تغير الأبدان، بل الله على كل شيء قدير.