الأخوة الإيمانية، أي: الأخوة التي سببها الإيمان والإسلام ثابتة مع المعاصي، يعني: مع وجود المعصية سواءً كانت المعصية كبيرة أو صغيرة، واستدل لذلك بقوله سبحانه في آية القصاص:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:١٧٨] فأثبت في هذه الآية الأخوة بين القاتل والمقتول مع أن القاتل أتى كبيرة أو لا؟ أتى كبيرة من كبائر الذنوب، فأثبت الأخوة بين القاتل والمقتول مما يدل على أن المعاصي لا ترفع الأخوة الإيمانية، بل الأخوة الإيمانية ثابتة وباقية وقائمة مع وجود المعاصي.
ومن الاستدلال على أن الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}[الحجرات:٩] ، والاقتتال بين المؤمنين سماه النبي صلى الله عليه وسلم كفراً فقال:(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) ، ومع ذلك لم يرتفع وصف الإيمان عن هؤلاء المقتتلين، ودليل ذلك قوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات:٩] ، فالشاهد من هذه الآية قوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ، وكذلك قوله بعد الأمر بالإصلاح ومقاتلة الباغية حتى تفيء:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:١٠] وإن كان منهم باغ ومبغى عليه: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات:١٠] أي: المتقاتلين، وبهذا يعلم أن المعاصي لا يرتفع بها وصف الإيمان، لكن ما الوصف الذي لا يرتفع؟ هل هو الإيمان المطلق الكامل؟ الجواب: لا، إنما الذي لا يرتفع هو مطلق هذا الاسم كما سيبينه المؤلف رحمه الله في كلامه بعد قليل.