ثم قال:[وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته] لا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته لماذا؟ لأنه لا حسنات لهم؛ ولذلك قال:[فإنه لا حسنات لهم] كيف لا حسنات لهم؟ أي: لا حسنات معتبرة، قال الله جل وعلا:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:٢٣] ، والعمل هنا المراد به: العمل الصالح، فإنه لا ينتفع به، لكن من عدل الله وإحسانه أنه يجزيه عليه في الدنيا، أما الآخرة فإذا وافى الآخرة لم يقدم بعمل إذا لم يأت بأصل الدين وهو التوحيد، والإقرار لله بالإلوهية، وللنبي صل الله عليه وسلم بالرسالة.
وفهمنا من هذا أنه يحاسب محاسبة أخرى، فنفى عنه المحاسبة التي هي وزن الأعمال، وهو المشار إليه في قوله تعالى:{فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}[الكهف:١٠٥] ، فإنه لا يقام لهم يوم القيامة وزناً، أي: وزناً ينتفعون به، وزناً يوازن به بين الحسنات والسيئات.
أما المحاسبة التي هي عرض الأعمال على وجه التقريع والتوبيخ وإقامة الحجة عليه من نفسه؛ فذاك قد جاءت به السنة، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً:(إن الله سبحانه وتعالى يقول لعبده: يا فل! - ترخيم يا فلان- ألم أسودك؟ ألم أربعك؟ ألم أزوجك؟ ألم أجعلك ترأس؟ فيقول: بلى يا ربي! فيقول الله جل وعلا: أكنت تظن أنك ملاقِ؟ فيقول: لا.
فيقول الرب جل وعلا: اليوم ننساك كما نسيتني) وهذا لا يكون إلا من الكافر؛ لأن من ظن أنه لا يلقى الله فإنه يكفر بذلك.
وهذا فيه أنه يحاسبهم سبحانه وتعالى ويكلمهم، لكنه كلام توبيخ ومحاسبة وتقريع وزيادة حسرة وندامة، نعوذ بالله من الخسران! وقوله:[فإنه لا حسنات لهم] يصح أن تقول: لا حسنات بناءً على الفتح، ويصح بالبناء على الكسر، وجهان، يمكن أن تقول: فإنه لا حسناتَ لهم، ويصح أن تقول: فإنه لا حسناتِ لهم، ولكن تعد أعمالهم وتحصى، هذا هو الحساب الثابت للكفار، فما ورد من أن الكفار يحاسبون فمعناه: عد أعمالهم وإحصاؤها، فتعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها، ويقرون بها، ويجزون بها، هذا معنى محاسبة الكفار، والمؤلف رحمه الله إنما ذكر منتهى الفريقين كما هو الحال في الكتاب والسنة، وكما ذكرنا لكم أن أهل الإيمان درجات في حسابهم، كما أن أهل الكفر درجات في حسابهم، والقرآن إنما يبين منتهى حال الفريقين:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:٧-٨] ، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:٧] ، وهذا هو الذي جرى عليه الكتاب، وجرى عليه المؤلف رحمه الله في كلامه في هذا الموضوع.