[إيمان أهل السنة بكرامات الأولياء]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: قال المؤلف رحمه الله: [ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وسائر فرق الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة] .
انتقل المؤلف رحمه الله إلى هذا الفصل الذي فيه بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الكرامات.
قال: (ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء) التصديق ضده: التكذيب، فأهل السنة والجماعة يصدقون بكرامات الأولياء، والكرامات: جمع كرامة، وهي: خرق العادة على يد ولي صالح؛ لكن لابد من قيد مهم حتى تخرج عن غيرها من خوارق العادات، وهذا القيد: هو أن تكون على يد ولي صالح، ولذلك قيدها المؤلف هنا بالإضافة فقال: (بكرامات الأولياء) والأولياء هم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٣] ، وهذا يفيد: أن الكرامات ليست خاصة بالصحابة رضي الله عنهم، بل هي فيهم وفي غيرهم.
والملاحظ لأخبار الكرامات يجد أنها في غير الصحابة أكثر منها فيهم رضي الله عنهم؛ والسبب: أن الكرامة يحصل بها تثبيت الإيمان عند الحاجة، وكلما عظم إيمان الشخص قلت حاجته، والصحابة أعظم الناس إيماناً، فما كان من الكرامات في وقتهم لم تكن في الغالب لزيادة إيمانهم إنما هي لنصرتهم على خصومهم، ولذلك كثرت الكرامات فيمن بعدهم؛ لحاجتهم إلى ذلك.
واعلم أنه يشارك الكرامة في خرق العادة شيئان: الآية وهي للنبي، وفعل السحرة والشعوذة وهي للدجالين، لكن اعلم أن الآية التي يسميها كثير من الناس المعجزة أعظم بكثير من الكرامة، ويكون فيها عموم وسلطان وحجة باهرة، بخلاف الكرامة فإنها دون ذلك بكثير.
وأما ما يكون على أيدي السحرة فإنه من جنس الخفة في الحركة، أو من عون الشياطين، أو فتنة من رب العالمين، ومثال الأخير: ما يكون مع الدجال من الآيات التي تبهر ضعاف الإيمان، نسأل الله السلامة والعافية، ولكن الفارق بين خوارق العادات: مرجعها إلى من تجري على يديه، فإن كانت قد جرت على يد صالح ولي فهي كرامة، وإن جرت على يد نبي فهي آية، وإن جرت على يد دجال كذاب فهي شعوذة وسحر وبهتان.
هذا من حيث من تجري على يديه.
أيضاً تختلف هذه الأمور من حيث المقصود بها: فإن ما يجري على يد الساحر مقصوده به: عز نفسه، أو إبطال حق، أو إحقاق باطل، وأما ما يجري على يد الأنبياء والأولياء فإن مقصوده: زيادة الإيمان، وتثبيت الحق وإظهاره، فهو أيضاً مما يحصل به التفريق بين هذه الأمور الثلاثة.
قال رحمه الله: (التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات) ، ثم بين ما الذي تكون فيه خوارق العادات، قال: (في العلم والمكاشفات) .
الجنس الأول من الكرامات العلم: ويكون ذلك بأن يكشف للإنسان من العلم ما لا يكشف لغيره، سواء كان ذلك في علم الشريعة أو في العلوم الطبيعية والعادية.
فمن جنس العلوم العادية: ما كشف ل عمر رضي الله عنه وهو على المنبر في قصة قوله: يا سارية الجبل، فإنه كشف له الأمر، وقال هذا القول وهو على المنبر، وهذه الكرامة من جنس الكرامة التي تكون في العلم والكشف.
الجنس الثاني من أجناس الكرامات: أنواع القدرة والتأثيرات، وهذا بأن يجري الله عليه ما يعجز عنه البشر في العادة، أو ما لا يمكن وقوعه في العادة، مثل ما جرى للعلاء بن الحضرمي لما مشى على الماء، وهذا في القدرة والتأثير.
الجنس الثالث من أجناس الكرامات: أن يمكن الإنسان ما لا يمكن منه عادة، نظير ذلك: الاستغناء عن الطعام والشراب أياماً.
وهذا مندرج تحت الجنس الثاني، لكن بعض أهل العلم فصله في قسم مستقل، وهو راجع إلى قول المؤلف رحمه الله: [وأنواع القدرة والتأثيرات] .
ثم أراد الاستدلال على هذا الأصل، وهو إثبات الكرامات والإيمان بها.
فقال: [كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها] ، قصة أصحاب الكهف فيها من الآيات ما الله به عليم، ومن أبرز ما يكون: مكثهم هذه المدة الطويلة نياماً، ثم استيقاظهم، والآيات فيها كثيرة، وغالبها من نوع القدرة والتأثير.
ومن أمثلة ذلك أيضاً: قصص سورة البقرة، وقصة مريم لما كان يدخل عليها زكريا عليها السلام: {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً} [آل عمران:٣٧] ، والآيات والكرامات كثيرة في كتاب الله عز وجل.
قال: [وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة] .
[وسائر فرق الأمة] هكذا في النسخة التي بين أيدينا، وفي نسخة أخرى: (وسائر قرون الأمة) وهو أصح؛ لأن مراد المؤلف أن الكرامة لم تقتصر فقط على الصحابة والتابعين بل هي موجودة في سائر قرون الأمة؛ فليست خاصة بالصحابة رضي الله عنهم.
قال: [وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة] .
الكرامات موجودة في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وإنما تكثر وتوجد عند الحاجة، لكن هل الكرامة تطلب أو يَمنُّ بها الله بدون طلب؟ الغالب أنه يَمنُّ بها بدون طلب، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يتعرض لطلبها وسؤالها بل: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤] ، والله أعلم بمواضع الفضل وبمستحقه.