للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل الصحابة معصومون من الكبائر؟]

قد يقول قائل: لازم هذا التوجيه أن نقول بعصمة الصحابة، فبادر الشيخ رحمه الله إلى بيان عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بعصمة الصحابة فقال: وهم مع ذلك - يعني: ما تقدم من تلمسهم العذر لما نقل عنهم مما صح في الفتنة- لا يعتقدون أن كل واحداً من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره فتجوز عليهم المعاصي، قال: [بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة] ، وقد وقعت الذنوب منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذنوب جائزة عليهم، ولا يقول أهل السنة والجماعة بأنهم لا يذنبون، لكن انظر إلى قوله: في الجملة، يعني: جملة الذنوب، ويخرج من هذا الكذب، فإن الصحابة رضي الله عنهم عدول لا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم سالمون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لعظيم ما ورد من التحذير في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة أن الصحابة عدول فيما ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ولعل هذا مراد الشيخ رحمه الله في قوله: بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، يعني: أنواع الذنوب في الجملة، لكن ما يتعلق بالكذب على رسول الله فلا يكون منهم؛ لعظيم وغلظة ما ورد في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدق، يعني: إذا كنا نجوِّز أن تقع منهم الذنوب فهل هذا مسوغ للنيل منهم؟ الجواب: لا، ولذلك قال: [ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدق] ، يعني: إن صح وثبت، إن ثبت صدوره، وصحت نسبته إليهم، قال: [حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم] ، وهذا صحيح، وشاهد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لما جرى من حاطب ما جرى من المكاتبة لأهل مكة، قال في جواب عمر لما قال: دعني أضرب عنقه: (لعل الله اطلع على أهل بدر وقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، وهذه فضيلة لا يلحقهم غيرهم، ولا يحصلها غير هؤلاء، فهم رضي الله عنهم لهم من السبق والفضل ما يوجب مغفرة ما صدر عنهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم خير القرون، وإن المد من أحدهم إن تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم) ، وجه ذلك أنهم سبقوا إلى الإسلام، وأن ما قام في قلوبهم من تعظيم الله عز وجل والانقياد للنبي صلى الله عليه وسلم والنصرة لهذا الدين؛ لم يقم في قلوب غيرهم.

وبه علم أن التفاضل في الأعمال لا بصورها، إنما التفاضل بما يقوم في قلب العبد، وبنتائجها وعواقبها، فقد تكون صورة العمل واحدة من شخصين في وقت واحد وفي مكان واحد، ولكن بين هذا وهذا من الفضل كما بين السماء والأرض!

<<  <  ج: ص:  >  >>