قال رحمه الله:[ويحاسب الله الخلائق] وذلك بعد أن يأتي جل وعلا لفصل القضاء، وأول ما يحاسب عليه الناس التوحيد، فيقال: ماذا أجبتم المرسلين؟ أي: في أصل الدين والتوحيد، أما من حيث العمل، فالعمل قسمان: حق لله، وحق للخلق.
فأول ما يحاسب فيما يتعلق بحق الله الصلاة، وأول ما يحاسب ويقضى به بين الناس فيما يتعلق بالحقوق التي بينهم الدماء، فيحاسب الله عز وجل الخلائق، والخلائق هنا يشمل جميع بني آدم، ويشمل الجن أيضاً جميعاً، يحاسبهم جل وعلا في ساعة واحدة، لا إله إلا الله! على اختلاف ألوانهم وأعمارهم وأعمالهم وألسنتهم وكثرتهم يحاسبهم سبحانه في ساعة واحدة، ولما قيل لـ ابن عباس: كيف يحاسبهم في ساعة واحدة وهم كثر وهو واحد؟ قال: كما يرزقهم في ساعة واحدة، ولا يشغله رزق فلان عن رزق فلان؛ كذلك يحاسبهم في ساعة واحدة، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] .
ويخلو بعبده المؤمن تكريماً له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما منكم من أحد إلا وسيكمله الله ليس بينه وبينه ترجمان، فيقرره بذنوبه) أي: يعرفه بها، ويجعله يقر بما كان منه من سيئات، وما هي الذنوب التي يقرره بها؟ هي الذنوب التي لم يتب منها، أما ما كان من الذنوب وتاب منها؛ فإن ذلك يعفى ويصفح عنه، وهذا من فضل الله ورحمته، فكل ذنب خالطه الإنسان وتاب منه يمحى عنه، ولا يسأل عنه، ولا يحاسب عليه؛ كرماً من الله وتفضلاً، أما ما كان من الذنوب التي لم يتب منها الإنسان فهو الذي يقرره بها جل وعلا، ويسأله عنها.
يقول:[كما وصف ذلك في الكتاب والسنة] أي: أن تفصيل هذا جاء في الكتاب والسنة.
وهل عاقبة هذا التقرير المحاسبة والمؤاخذة؟ الجواب: الناس على درجات، منهم من يناقش، ومن نوقش الحساب عذب، ومنهم من لا يناقش، إنما يعرض عليه عمله ويقال له: كما سترتها عليك في الدنيا أنا أغفرها لك اليوم، سبحان الله! فيجمع له فضيلتين ونعمتين: فضيلة وإحسان سابق، وفضيلة وإحسان لاحق.
السابق هو سترها في الدنيا، واللاحق هو العفو عنها يوم الموقف والعرض على الله جل وعلا.