قال المؤلف رحمه الله:(ولهذا قال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:١٨٠-١٨٢] ) هذه الآيات العظيمة افتتحها الله سبحانه وتعالى بتنزيه نفسه، فقال:{سُبْحَانَ رَبِّكَ} أي: يا محمد! سبحانه فسبح نفسه، والتسبيح معناه التنزيه، فالله سبحانه وتعالى نزه نفسه عن كل عيب ونقص وشر في الأقوال والأفعال، والأسماء والصفات، فلا يتطرق إلى شيء من أموره نقص سبحانه وتعالى.
ولتأكيد امتناع النقص عليه قال سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ َ)) والعزة: هي الامتناع، وهو ربها أي: صاحبها سبحانه وتعالى، فـ (رب) هنا معناه: صاحب العزة، والعزة له وصف وملك، قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}[يونس:٦٥] فالعزة له سبحانه وتعالى، وعزة كل عزيز فرع عن عزته، فهو الذي يهبها له، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، فإذا كان هذا وصفه سبحانه وتعالى فإنه لا يتطرق إليه النقص، بل أصحاب العقول السليمة لا يمكن أن يدور في عقولهم نقص هذا الرب جل وعلا بوجه من الوجوه.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ}[الصافات:١٨٠] أي: عما يصف به الكافرون والمخالفون للرسل ربهم، ويستوي في هذا الاعتقادات الفاسدة الكفرية فما دونها، فكل ما خالف الكتاب والسنة من العقائد في الله جل وعلا فإن الله سبحانه وتعالى قد نزه نفسه عن ذلك في هذه الآية:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ}[الصافات:١٨٠] .
ثم سلم على المرسلين فقال:{وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:١٨١] والسلام على المرسلين لسلامة ما قالوه كما سيبين المؤلف رحمه الله، وهذا السلام بشرى لكل من سلك سبيل المرسلين، فهو سلام للمرسلين ولأتباعهم، وليس خاصاً بالمرسلين، إنما هو للمرسلين ولمن سلك سبيلهم، وانتهج نهجهم، وسار على صراطهم.
ثم بعد أن سبح نفسه ونزهها عن العيب والنقص، وسلم على أقوم الناس منهجاً وطريقاً حمد نفسه فقال:{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:١٨٢] ، وهذه الجملة فيها إثبات الكمالات لله سبحانه وتعالى: الكمال في الأسماء، والكمال في الصفات، والكمال في الأفعال، فإنه لا يحمد إلا من كملت أسماؤه، ولا يحمد إلا من كملت صفاته، وجملت أفعاله سبحانه وتعالى، ولاحظ كيف افتتح هذا التعقيب بما ذكره في سورة الصافات من أقاويل أهل الكفر واعتقاداتهم في ربهم، واعتقادهم الولد، وجعلهم بينه وبين الجنة نسباً، وما إلى ذلك مما ذكره من العقائد الفاسدة، ثم عقب ذلك بذكر التسبيح والتحميد، وكثيراً ما يقترن في كتاب الله عز وجل التسبيح مع التحميد، بل نحن في صلاتنا نقول: سبحان الله وبحمده في الركوع والسجود، وفي الأذكار بعد الصلوات نقول: سبحان الله والحمد لله، فالتسبيح والتحميد مقترنان، ووجه اقترانهما أن التسبيح: تنزيه لله عز وجل عن كل عيب ونقص، وهذا تخلية، والتحميد: إثبات لكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ولذلك كانت سبحان الله وبحمده من خير الكلام، ومما يملأ به الميزان، وتملأ ما بين السماء والأرض؛ لما تمضمنته من إثبات الكمالات لله عز وجل، ونفي النقائص عنه سبحانه وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله:(فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل) وهذا يشمل الكفار الذين نسبوا له الولد، والذين جعلوا بينه وبين الجنة نسباً، والذين قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، والذين قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع عن تعب، وما إلى ذلك من العقائد الباطلة التي لا حصر لها ولا حد من عقائد الكفار، ويدخل فيها أيضاً العقائد المنحرفة من عقائد أهل القبلة، يعني: المنتسبين لملة الإسلام من أهل البدع المغلظة، والبدع التي تعتبر من البدع الخفيفة كبدع من أول بعض الصفات وأثبت بعضها.
المهم أن هذا ينتظم جميع من خالف سبيل الرسل بكفر أو بدعة، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، فإن ما قالوه لا نقص فيه ولا عيب.