[إثبات صفة الرجل والقدم لله عز وجل]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال المؤلف رحمه الله: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله -وفي رواية: عليها قدمه- فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط) متفق عليه] .
هذا الحديث فيه إثبات صفة القدم والرجل لله سبحانه وتعالى، وهذه الأحاديث صواعق على رءوس المبطلين؛ لأنهم إما أن يردوها، وإما أن يجتهدوا في إبطال معناها، إما أن يردوها لفظاً ومعنىً، وإما أن يجتهدوا في إبطال معانيها بالتحريف والتأويل المذموم.
أما أهل السنة والجماعة فهذه نصوص تزداد قلوبهم إيماناً بسماعها، ويقيناً بعظمة الرب، وتسبيحاً وتحميداً له سبحانه وتعالى.
(لا تزال جهنم) (جهنم) هي: الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، وهي النار، فجهنم اسم جنس للنار التي أعدها الله عز وجل للكافرين والعصاة المخالفين لأمره.
(لا تزال جهنم يلقى فيها) أي: يرمى، و (لا تزال) المراد بذلك: أنها موصوفة بهذا الوصف، وهي لا تنقطع ولا تفارق هذا الوصف.
(يلقى فيها وهي تقول) ، يعني: وحالها؛ لأن الواو هنا حالية، (وهي تقول: هل من مزيد؟) أي: تطلب الزيادة، وهذا الاستفهام استفهام طلبي، يعني: زدني زدني، وقال بعض أهل العلم: إن قول النار: هل من مزيد؟ استفهام استنكاري، أي: لا مزيد فيّ، لا مزيد فيّ، ولكن هذا ليس بصحيح، ولا يدل عليه اللفظ، بل الذي دل عليه اللفظ أنه استفهام طلبي؛ لطلب الزيادة من رب العالمين، ويدل على ذلك ما بعده حيث قال: (حتى يضع رب العزة فيها رجله) يضع رب العزة، وفي رواية: (حتى يضع رب العالمين -الله جل وعلا- فيها رجله) والرجل في كلام العرب تنصرف إلى الجارحة المعروفة بالنسبة لنا، أما بالنسبة للخالق جل وعلا فنثبت هذا المعنى له، لكن لا نملك أن نعرف كيفية ذلك، ولم نكلف بمعرفة كيفية ذلك، بل نثبت ما أثبته الله لنفسه من الصفات من دون تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وفي الرواية الثانية: (عليها قدمه) أي: يضع عليها قدمه سبحانه وتعالى، ولا تقل: كيف؟ فإن الكيف أمره مؤصد مغلق، والكيف مجهول، وهذه القاعدة اجعلها معك في كل خبر عن الغيب، الكيف مجهول فيما يتعلق بالله عز وجل أو فيما يتعلق بما أخبر به مما يكون يوم القيامة، وبذلك تريح نفسك، وتسلم من كل وساوس الشياطين، ومن كل ما يلقيه شياطين الإنس من زخرف القول الذي يريدون به إبطال ما دلت عليه النصوص.
وقوله: وفي رواية: (عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض) يعني: ينظم ويجتمع بعضها إلى بعض، فتقول: (قط قط) أي: كفاني كفاني، أو حسبي حسبي، وعند ذلك تكتفي من طلب الزيادة.
وفي لفظ: (قط قط) ، جاءت رواية بالتسكين (قطْ قطْ) ، ورواية: بالكسر (قطِ قطِ) ، ورواية بالكسر مع الياء (قطي قطي) ، ورواية بالتنوين (قطٍ قطٍ) ، ورواية خامسة: (قطني قطني) ، كل هذا مما جاء في هذا اللفظ، والمعنى في الجميع واحد، وهو حسبي حسبي أو كفاني كفاني.