قد يقول قائل: هذا خطاب الله، لكن الخلل أتانا من الطريق الذي وصلنا به الخطاب، فانتقل المؤلف رحمه الله كما سيأتي دليله في الآية إلى تزكية الطريق الذي وصلنا به خبر الله سبحانه وتعالى، وهم الرسل، فقال:(ثم رسله صادقون) فيما يخبرون به عن الله جل وعلا، من العقائد والأحكام والأخبار؛ فأمنا الخلل في الطريق، وقد يكون الإنسان صادقاً، لكنه يخطئ، فيخبر بخلاف الحق، ولنفي هذا الوارد الذي قد يورده المخالفون لطريق الرسل، فيقولون: نحن لا نتهم الرسل فيما أخبروا به، لكن الرسل أخطئوا أو قصروا، فيأتيك الجواب في قوله رحمه الله:(مصدقون) أي: من الله جل وعلا، فهو عليهم شهيد؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى في غير ما آية:{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}[الفتح:٢٨] أي: شهيداً على ما تخبر به الرسل من الأخبار، وما تنبئ به من الأحكام، فشهادة الله على هؤلاء الرسل كافية في قبول ما جاءوا به؛ لأنه لو كان ما جاءوا به مخالفاً للحق لما أقرهم عليه جل وعلا، بل إنه سبحانه وتعالى تعهد وتكفل بفضح ومعاقبة كل من افترى عليه كذباً، فقال سبحانه وتعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ}[الحاقة:٤٤] أي: شيئاً منها، {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة:٤٥-٤٧] ، والآية الأخيرة تبين أن هذا التهديد ليس في حق الرسل فقط، بل في حق كل من كذب على الله عز وجل، وافترى عليه في خبر أو حكم، فإذا كان الرسل مصدقين، وهذه حال الله جل وعلا معهم من الشهادة والاطلاع والعلم بما يخبرون، ومع ذلك لم يتعقبهم بشيء، ولم نر أنه وقع بهم ما أخبر به سبحانه وتعالى من العقوبة العاجلة قبل الآخرة؛ دل ذلك على أن ما جاءوا به هو المطابق لما عليه الأمر، والموافق لما تكلم به سبحانه وتعالى.
وهذه الميزة في خطاب الله عز وجل، وفي الطريق الذي وصلنا به خطابه، وليس في أي سبيل آخر، ولذلك قال:(بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون) وهذا وصف مطابق لحال المخالفين للرسل، ومخالفين لما جاءت به الدلائل في الكتاب والسنة، فمهما ادعوا العلم، ومهما بالغوا في خلع الألقاب عليهم، فإنهم يقولون على الله ما لا يعلمون؛ لأنه لا أتم، ولا أكمل، ولا أنصح، ولا أفصح، ولا أبين، مما أخبر به سبحانه وتعالى عن نفسه، أو أخبرت به رسله.
ولا سلامة للمؤمن من الاضطراب والحيرة والضلال إلا بالتسليم لله جل وعلا، والوقوف عند النصوص.