بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً] .
اللهم اجعلنا منه يا رب العالمين.
يقول رحمه الله:(وفي عرصات القيامة) العرصة: الفناء الواسع الذي لا بناء فيه، والمقصود به أرض المحشر في تلك الأهوال العظيمة.
قوله:(الحوض المورود) الحوض: اسم لما منّ الله به على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما سيأتي وصفه، وقوله:(المورود) أي: الذي يرده أهل الإيمان من أتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لكثرة من يرد عليه من أهل الإيمان، وهذا الحوض المورود قد دلت عليه السنة الصريحة، فهو قد ورد في السنة متواتراً، وقد جاء ذكره في الكتاب في قوله تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:١] ، فإنه قد فسر بالحوض المورود، مع أن الكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم أوسع من الحوض المورود، لكن يدخل فيه الحوض الذي جاء الخبر عنه في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكوثر اسم للخير الكثير، والنبي صلى الله عليه وسلم قد آتاه ربه وخصه بخير كثير في الدنيا والآخرة، فالحوض ثابت بالكتاب وبالسنة، وقد أجمع عليه أهل الإسلام.
وهذا الحوض خاص بهذه الأمة، ولا يرده إلا أهل الإسلام، أما بقية الأمم فقد اختلف هل لهم حوض يردونه أو لا؟ فورد في جامع الترمذي من حديث سمرة:(إن لكل نبي حوضاً) ، وهذا الحديث في إسناده مقال، وعلى القول بأن لكل نبي حوضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم حوضه لا يجارى ولا يضارى، فهو أعظمها وأكبرها وخيرها.
وقد ورد وصف هذا الحوض في السنة، وذكر المؤلف رحمه الله شيئاً من أوصافه فقال:(ماءه أشد بياضاً من اللبن) ، وهذا فيه جمال المنظر، (وأحلى من العسل) ، وهذا فيه طيب الطعم، وجاء في الصحيح:(ورائحته أطيب من المسك) ، وهذا فيه زكاء الرائحة، فحسبك بمورد حسن منظره، وطاب مذاقه، وزكت رائحته، في يوم يبلغ الناس فيه من الكرب والشدة ما تقدم وصف بعضه، ويكفي من ذلك دنو الشمس التي تلهب الأكباد، ويكون الناس بحاجة شديدة إلى الماء، فيردون هذا المورد الطيب جعلنا الله وإياكم من أهله.
وقوله:(آنيته عدد نجوم السماء) أي: كثيرة، ومن يحصي عدد نجوم السماء؟ لا يحصيها إلا الذي خلقها.