م/ وفِي "اَلصَّحِيحَيْنِ: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ وَالْإِمَامِ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ).
ذكر المصنف - رحمه الله - حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين ليبين فيه حكم الكلام أثناء خطبة الجمعة.
أنصت: أي اسكت، قال الحافظ ابن حجر: " قال ابن خزيمة: "المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله، وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة، فالظاهر أن المراد السكوت مطلقاً، ومن فرق احتاج إلى دليل ".
فقد لغوت: أي وقعت في اللغو، قال ابن المنير: " اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام ".
• في الحديث دليل على تحريم الكلام أثناء الخطبة، وهذا مذهب الجمهور، من الحنفية والمالكية والحنابلة، وبه قال ابن حزم.
قال النووي: "ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا على ما سواه، لأنه إذا قال: أنصت، وهو في الأصل أمر بمعروف، وسماه لغواً، فغيره من باب أولى".
وَلحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ اَلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ، لَيْسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ.
وتحريم الكلام من وجهين:
الأول: أنه شبه المتكلم بالحمار، ومعلوم أن ذلك صفة ذم ونقص لا يوصف بها تارك الندب.
الثاني: نفي أن يكون له جمعة، وقد علمنا أنها جمعة، فلما استعار له لفظ نفي الإجزاء وعدم الصحة، دلّ على تأكيد منعه وشدة تحريمه.
• قوله في الحديث (والإمام يخطب) جملة حالية تدل على أن التحريم حال الخطبة فقط، أما ما قبل الخطبة وما بعدها وما بين الخطبتين جائز.
لما رواه ثعلبة بن مالك القرضي: (أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج وجلس على المنبر وأذن المؤذن، قال ثعلبة: جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منّا أحد).
قال ابن شهاب: " فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام.، قال في الغني: " وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم ".
ولأن النهي عن الكلام إنما هو لأجل الإنصات واستماع الخطبة، فيقتصر على حالة الخطبة.
فائدة: قوله (لا جمعة له) قال الشوكاني: "قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة، للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه".
• قوله (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) شبه من لم يمسك عن الكلام بالحمار الحامل للإسفار بجامع عدم الانتفاع.