. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأما الإجابة عن أدلة من قال بالإباحة:
أما حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرّ بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري … ) فيجاب عنه:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقرّ المرأة على فعلها، بل أمرها بتقوى الله التي هي فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها النهي عن زيارة القبور، ففي هذا إنكار قعودها عند القبر، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
قال ابن ابن القيم: "احتج به على جواز زيارة النساء للقبور، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليها الزيارة وإنما أمرها بالصبر، ولو كانت حراماً لبيّن لها حكمها، وأجيب عن هذا بأنه -صلى الله عليه وسلم- قد أمرها بتقوى الله والصبر، وهذا إنكار منه لحالها من الزيارة والبكاء".
أن هذه القضية لا يعلم هل كانت قبل أحاديث المنع من زيارة النساء للقبور أو لا؟ وهي إما أن تكون دالة على الجواز فلا دلالة على تأخرها عن أحاديث المنع، أو تكون دالة على المنع بأمرها بتقوى الله فلا دلالة فيها، وعلى الجواز على التقديرين لا تعارض أحاديث المنع، ولا يمكن دعوى نسخها بها.
أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) فيجاب عنه:
• أنه خطاب للرجال دون النساء، فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور بأصل الوضع فلا يدخل فيه النساء، وهذا هو المذهب الصحيح المختار في الأصول.
وعلى هذا فالإذن لا يتناول النساء فلا يدخلن في الحكم الناسخ.
• أن الخطاب إن كان متناولاً للنساء بطريق التبع والتغليب، فإن للعلماء في ذلك قولين:
قيل: إن ذلك يحتاج إلى دليل منفصل، وحينئذٍ فيحتاج تناول ذلك للنساء إلى دليل منفصل، وقيل: إنه يحمل على ذلك عند الإطلاق، وعلى هذا فيكون دخول النساء بطريق العموم ضعيف، والعام لا يعارض الأدلة الخاصة المستفيضة في نهي النساء عن زيارة القبور، بل ولا ينسخها عند جمهور العلماء، حتى ولو علم تأخر العام وتقدم الخاص، فكيف إذا لم يعرف أن هذا العام بعد الخاص إذ قد يكون نهي النساء عن زيارة القبور بعد الإذن للرجال في زيارة القبور، بل هذا هو الأقرب.
أما حديث عائشة: (قولي: السلام على أهل الديار … ) فيجاب عنه:
• بأن الحديث لا دلالة فيه على جواز زيارة القبور للنساء، لأن الحديث إنما سيق لتعليم السلام على أهل القبور دون إباحة الزيارة للنساء، وقد تمر المرأة على أهل القبور في مسير لها من غير قصد الزيارة فتحتاج إلى التسليم عليهم، فلا يلزم من تعليمه لهن إباحة الزيارة قصداً.
• أن هذا التعليم من النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة يحتمل أن يكون قبل النهي الأكيد والوعيد الشديد لزوّارات القبور.