م/ وقال (زوروا القبور، فإنها تذكر الآخرة) رواه مسلم.
ذكر المصنف - رحمه الله - حديث بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيب الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (كنتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فإنها تذكر الآخرة) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، ليستدل به على استحباب زيارة القبور للرجال.
وهذا مذهب جماهير العلماء، أن زيارة القبور للرجال مستحبة، بل نقل بعضهم الإجماع كالنووي.
ولحديث أبي هريرة قال: (زار النبي -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت). رواه مسلم
فهذا دليل على استحباب زيارة القبور من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أمره.
• الحكمة من زيارة القبور:
أولاً: العبرة والاتعاظ، فقد جاء في رواية (تذكر الآخرة) (تذكر الموت) (وتزهد في الدنيا وترق القلب).
ثانياً: انتفاع الميت بالدعاء والاستغفار له.
ثالثاً: الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
• قال شيخ الإسلام: "وأما الزيارة البدعية فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة".
• ليس لزيارة القبور وقت معين، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الأفضل في زيارة القبور أن يكون يوم الجمعة، واستدل هؤلاء بحديث: (من زار قبر والديه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر له وكتب باراً). وهو حديث ضعيف وقالوا: إن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة.
لكن الصحيح أن زيارة القبور ليس لها وقت معين لا يوم ولا وقت، بل ظاهر الأحاديث التي فيها الأمر بزيارة القبور، لم تحدد زمناً ولا وقتاً، وأما الحديث فضعيف لا يصح، ومثل هذا الحديث لا يصلح الاعتماد عليه ولا العمل به مطلقاً.
وأما قولهم إن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة، فهذا القول لا دليل عليه سوى بعض الأخبار والمنامات، ومن المقرر عند أهل العلم أن الاحتجاج بالمنامات لا يصح لإثبات الأحكام الشرعية.
• وقوله (فزوروها) استدل به من قال بجواز زيارة النساء للقبور.
وهذا مذهب الجمهور، قال النووي: "بالجواز قطع الجمهور".
واستدلوا بحديث أنس قال: (أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- على امرأة تبكي عند قبر، فقال لها: اتقي الله واصبري … ).
قال الحافظ: "وموضع الدلالة من الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة".
وبحديث بريدة (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها).
وجه الدلالة: أن الخطاب عام، فيدخل فيه النساء، قال الحافظ: "هو قول الأكثر، ومحله إذا أمنت الفتنة".
وبحديث عائشة الطويل، وفيه: (قالت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين … ). رواه مسلم قالوا: وتعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة هذا الدعاء يدل على جواز زيارة المقابر للنساء.
القول الثاني: أنها مكروهة، وهذا مذهب الحنابلة.
لحديث أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا).
قالوا: والزيارة من جنس الاتباع، فيكون كلاهما مكروهاً غير محرم.
القول الثالث: أنها حرام.
وهذا اختيار ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ) أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
ولأن سد الذرائع مقدم على جلب المنافع.