م/ وأي قربة فعلها وجعل ثوابها لحي أو ميت مسلم نفعَه ذلك.
المراد بالقربة ما يُتقرب به إلى الله تعالى من الطاعات مثل الدعاء، والاستغفار، والصدقة، والصلاة، والصوم، والحج، وقراءة القرآن وغير ذلك، فلا فرق بين القربة البدنية والمالية.
قوله (فعلها) أي: فعلها شخص مسلم سواء كان من أقارب الميت أو من غيرهم.
قوله (نفعه) أي: يصل ثوابها إليه بكرم الله ورحمته.
وهذا ما ذهب إليه المؤلف هو أحد الأقوال في المسألة: وهو أن جميع القرب تُهدى للأموات ويصل ثوابها إليهم، وهذا مذهب الحنابلة.
واستدلوا بالقياس على ما ثبت في الشرع.
والقول الثاني في المسألة: أنه لا يهدى للأموات إلا ما دل الدليل على جواز إهدائه، لأن وصول الثواب إلى الأموات من الأمور التوقيفية التي لا مجال للرأي فيها، وإنما يعمل فيها بما يقتضيه الدليل.
وقد ورد النص في أمور ينتفع بها الميت:
منها: الدعاء، وهذا بالإجماع.
قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: .... وذكر منها أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.
وصلاة الجنازة، فإن أهم ما فيها الدعاء للميت.
والأدعية التي سبقت التي تقال في صلاة الجنازة للميت.
وكذا الدعاء له بعد الدفن، كما في سنن أبي داود من حديث عثمان قال (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).
وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم.
ومنها: الصدقة.
لحديث عائشة قالت (أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أمي افتُلتتْ نفسُها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقتُ عنها، قال: نعم) متفق عليه.
وعن عبد الله بن عباس (أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقتُ عنها، قال: نعم) رواه البخاري.
ومنها: الصوم.
لحديث عائشة. قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق عليه.
ومنها: الحج.
لحديث ابن عباس (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي نذرتْ أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمكِ دينٌ أكنتِ قاضيتَه؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري.