م/ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن العلماء فسروا الصدقة الجارية بالوقف.
[إذا مات الإنسان انقطع عمله] يعني بزوال التكليف بالموت وخروجه من دار العمل إلى البرزخ، وليس البرزخ مكاناً للعمل، ومعنى انقطع عمله: يعني انقطع ثوابه. [إلا من ثلاثة] إلا من ثلاثة أشياء، فإن ثوابها يدوم للإنسان بعد موته لدوام أثرها.
[صدقة جارية] المراد بها الصدقة المتصلة التي استمر نفعها كوقف العقارات والكتاب والمصاحف والأواني ونحو هذا مما يستمر نفعه ببقاء عينه. [أو علم ينتفع به] قوله (ينتفع به) هذا قيد، فهذا يخرج العلم الذي لا نفع فيه، أو العلم الذي فيه مضرة كعلم النجوم يتعلمه، وكذا العلوم المفسدة للدين والأخلاق فلا تدخل في الحديث. والمراد بالعلم الذي ينتفع به ما يلي: العلم الذي علمه الطلبة المستفيدين المستعدين للعلم - العلم الذي ينشره بين الناس - الكتب التي ألفها في نفع المسلمين، قال العلماء: والكتب أعظمها أثراً لطول بقائها. [أو ولد صالح يدعو له] المراد بالصلاح الاستقامة على طاعة الله، (الحديث يشمل ولد الصلب وولد الولد، ويشمل الذكر والأنثى)، وصْف الولد بالصلاح: ليكون دعاؤه مجاباً فينتفع والده بدعائه، وفائدة التقييد بالولد - مع أن دعاء غير الولد ينفع - هو تحريض الولد على الدعاء لوالديه.
• الحديث دليل على أن الإنسان إذا مات انقطع أجر عمله، لأن الله جعل الدنيا دار تزود وعمل، إلا من هذه الأشياء الثلاثة فإنها تبقى ويبقى أثرها وثوابها بعد موت الإنسان، ومن هذه الثلاثة:
الصدقة الجارية، والمراد بها عند العلماء: الوقف، وهذا يدل على صحة الوقف وعظيم ثوابه عند الله تعالى بسبب بقاء نفعه ودوام ثوابه.
وهذه الأشياء الثلاثة إنما بقيت للإنسان بعد موته لأنها من آثار عمله.
وقال جابر: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنده مقدرة إلا وقف.
• المقصود من الوقف أمران:
الأمر الأول: الأجر الحاصل للواقف.
الأمر الثاني: نفع الموقوف عليه في عين الوقف أو غلته.
مثال: قلت هذا البيت وقف على زيد من الناس - لو أراد أن يسكنه فهنا انتفع بعين الوقف، ولو أجر الناظر البيت وأعطاه الغلة فهنا انتفع بغلته.