بالجراثيم التي تفتك بالإنسان وجسمه وأمواله تأويل باطل مردود، وهو من جنس تأويلات القرامطة والباطنية، ويلزم على هذا التأويل الباطل تكذيب ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي تقدم ذكرها، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ينافي الإسلام.
الوجه الثاني: أن الجراثيم التي تفتك بالإنسان وصحته وأمواله قد كانت موجودة من أول الدنيا ومنتشرة في جميع أرجاء الأرض، وأما دابة الأرض؛ فإنما تخرج في آخر الزمان عند اقتراب الساعة. وعلى هذا؛ فتأويل الدابة بالجراثيم من أبطل التأويل وأبعده من المنقول والمعقول.
الوجه الثالث: أن الجراثيم أنواع لا تحصى، وأما دابة الأرض؛ فإنما هي دابة واحدة؛ كما يدل على ذلك ظاهر القرآن والأحاديث الصحيحة. وعلى هذا؛ فتأويل الدابة بالجراثيم يخالف القرآن والأحاديث الصحيحة، وما خالف القرآن والأحاديث الصحيحة؛ فإنه يجب اطراحه ورده على قائله.
الوجه الرابع: أن دابة الأرض التي أخبر الله بخروجها ليست من الدواب التي يعرفها الناس، ولا من الجراثيم، وإنما هي خلق عظيم هائل، من خوارق العادات؛ كما جاء بيان ذلك في بعض الأحاديث، ولهذا تزعج الناس وتفزعهم، وقد تقدم في بعض الأحاديث أنه يكون معها عصا موسى وخاتم سليمان، فتخطم أنف الكافر بالخاتم، وتجلو وجه المؤمن بالعصا، وقد أخبر الله عنها أنها تكلم الناس، وورد الإنذار بها في حديث أبي مالك الأشعري الذي تقدم ذكره.
وإذا كانت بهذه الصفة العظيمة؛ فمن أقبح الجهل قول أبي عبية: إنها هي الجراثيم التي تفتك بالإنسان وصحته وأمواله..... لأن الجراثيم لا ترى إلا بالمكبرات، فضلا عن أن تكون مما يكلم الناس ويخاطبهم، ويحمل عصا موسى وخاتم سليمان، ويجلو وجه المؤمن ويخطم أنف الكافر.