وعلى هذا؛ فتأويل دابة الأرض بالجراثيم في غاية البعد والبطلان، بل هو نوع من الهذيان.
وأما قوله:"وحمل صحاح الأحاديث النبوية وتفسير الآيات القرآنية الكريمة بما يناسب الواقع ويواكب المنطق ويتسق وفطرة الحياة أولى من السبح في أجواء من الخيال".
فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن يقال: إن الواجب على المسلم أن يؤمن بما جاء في كتاب الله تعالى، وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخبار الغيوب الماضية والآتية، ولا يجوز لأحد أن يرد ما خفي عليه منها، وما لا يحتمله عقله، ولا أن يحمل الآيات والأحاديث على غير ظاهرها من غير دليل من الكتاب أو السنة يدل على ذلك.
وإذا علم هذا؛ فحمل الأحاديث الواردة في الدابة على الجراثيم، وتفسير الآية الكريمة بذلك، وزعم أبي عبية أن ذلك يناسب الواقع ويواكب المنطق ويتسق وفطرة الحياة؛ لا شك أنه من تحريف الكلم عن مواضعه، وتحريف الكلم عن مواضعه لا يصدر من مؤمن.
الوجه الثاني: أن يقال: ما أخبر الله به عن الدابة أنها تكلم الناس، وما جاء في بعض الأحاديث من عظم خلقها، وأنه يكون معها عصا موسى وخاتم سليمان، وأنها تجلو وجه المؤمن وتخطم أنف الكافر؛ فكل ذلك حق على حقيقته، وليس من الخيال؛ كما قد توهم ذلك أبو عبية، ومن زعم أن ذلك من الخيال؛ فقد أخطأ خطأ كبيرا، وضل ضلالا بعيدا.
ولأبي عبية أيضا عدة تعاليق في (ص ١٩٣ و١٩٤ و١٩٥) من "النهاية" لابن كثير، تصدى فيها لإنكار بعض الآثار الواردة في صفة الدابة، وكل كلامه