للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: والجنة دار خلود؛ لا موت فيها، فلو توالد فيها أهلها على الدوام والأبد؛ لما وسعتهم، وإنما وسعتهم الدنيا بالموت.

وأجابت الطائفة الأخرى عن ذلك كله، وقالت: أداة (إذا) إنما تكون لمحقق الوقوع لا المشكوك فيه، وقد صح أن الله سبحانه وتعالى ينشئ للجنة خلقا يسكنهم إياها بلا عمل منهم. قالوا: وأطفال المسلمين أيضا فيها بغير عمل، وأما حديث سعتها؛ فلو رزق كل واحد عشرة آلاف من الولد؛ لوسعتهم؛ فإن أدناهم من ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام. انتهى.

وقد ذكر ابن كثير في "النهاية" رواية الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: «قيل: يا رسول الله! أيولد لأهل الجنة؟ فإن الولد من تمام السرور؟ فقال: "نعم؛ والذي نفسي بيده؛ ما هو إلا كقدر ما يتمنى أحدكم، فيكون حمله ورضاعه وشبابه» .

قال ابن كثير: "وهذا السياق يدل على أن هذا أمر يقع؛ خلافا لما حكاه البخاري والترمذي عن إسحاق بن راهويه أن ذلك محمول على أنه لو أراد ذلك ولكن لا يريده، ونقل عن جماعة من التابعين كطاوس ومجاهد وإبراهيم وغيرهم أن الجنة لا يولد فيها، وهذا صحيح، وذلك أن جماعهم لا يقتضي ولدا كما هو الواقع في الدنيا، فإن الدنيا دار يراد منها بقاء النسل لتعمر، وأما الجنة فالمراد منها بقاء اللذة، ولهذا؛ لا يكون في جماعهم مني يقطع لذة جماعهم، ولكن إذا أحب أحدهم الولد؛ وقع ذلك كما يريد، قال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} ". انتهى.

الفائدة الخامسة والثلاثون: ترك الجواب لمن سأل عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ويشهد لهذا:

قول الله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>