في المسجد الحرام. قال: فانطلقنا نطلبه، حتى وجدناه في دبر الكعبة جالسا؛ فإذا هو قصير، أرمص، أصلع، بين بردين وعمامة، ليس عليه قميص، قد علق نعليه في شماله. فقلنا: يا عبد الله! إنك رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فحدثنا حديثا ينفعنا الله تعالى به بعد اليوم. قال: فقال لنا: ومن أنتم؟ قال: فقلنا له: لا تسأل من نحن؛ حدثنا غفر الله لك. قال: فقال: ما أنا بمحدثكم شيئا حتى تخبروني من أنتم؟ قلنا: وددنا أنك لم تنقدنا، وأعفيتنا، وحدثتنا بعض الذي نسألك عنه. قال: فقال: والله لا أحدثكم حتى تخبروني من أي الأمصار أنتم؟ قال: فلما رأيناه حلف ولج؛ قلنا: فإنا ناس من العراق. قال: فقال: أف لكم كلكم يا أهل العراق؛ إنكم تكذبون وتكذبون وتسخرون. قال: فلما بلغ إلى السخرى وجدنا من ذلك وجدا شديدا. قال: فقلنا: معاذ الله أن نسخر من مثلك! أما قولك الكذب؛ فوالله لقد فشا في الناس الكذب وفينا. وأما التكذيب؛ فوالله إنا لنسمع الحديث لم نسمع به من أحد نثق به؛ فإذا نكاد نكذب به. وأما قولك السخرى؛ فإن أحدا لا يسخر بمثلك من المسلمين، فوالله إنك اليوم لسيد المسلمين فيما نعلم نحن؛ إنك من المهاجرين الأولين، ولقد بلغنا أنك قرأت القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يكن في الأرض قرشي أبر بوالديه منك، وأنك كنت أحسن الناس عينا فأفسد عينيك البكاء، ثم لقد قرأت الكتب كلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أحد أفضل منك علما في أنفسنا، وما نعلم بقي من العرب رجل كان يرغب عن فقهاء أهل مصره حتى يدخل إلى مصر آخر يبتغي العلم عند رجل من العرب غيرك؛ فحدثنا غفر الله لك. فقال: ما أنا بمحدثكم حتى تعطوني موثقا أن لا تكذبوني، ولا تكذبون علي، ولا تسخرون. قال: فقلنا: خذ علينا ما شئت من مواثيق. فقال: عليكم عهد الله ومواثيقه أن لا تكذبوني ولا تكذبون علي ولا تسخرون لما أحدثكم. قال: فقلنا له: علينا ذاك. قال: فقال: إن الله تعالى عليكم كفيل ووكيل؟ فقلنا: نعم.