«والبحر» . قال فضالة: فما بلغنا المدينة؛ حتى جعلت تنازعنا أزمتها، فقلت: هذه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القوي والضعيف؛ فما بال الرطب واليابس؟ فلما قدمنا الشام؛ غزونا غزوة قبرس في البحر، فلما رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها؛ عرفت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه: الإمام أحمد ورواته ثقات، وابن حبان في "صحيحه".
والمراد بـ (الرطب) : الإبل والخيل والبغال والحمير، والمراد بـ (اليابس) : المراكب البحرية والبرية والجوية. والله أعلم.
وإذا علم ما ذكرنا؛ فالإجمال في هذه الأحاديث قد صار كالتفصيل عند من أدرك ذلك وشاهده وكان له أدنى علم ومعرفة.
ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك التفصيل خشية أن يفتتن بسببه من لم يرسخ الإيمان في قلبه؛ كما وقع ذلك في قصة الإسراء، لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى بيت المقدس ورجع في ليلته، فأنكر ذلك المشركون، وارتد ناس ممن آمن به وصدقه! وهو صلى الله عليه وسلم إنما أخبرهم عن أمر خارق للعادة.
وإذا كان المشركون قد أنكروا الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس في ليلة واحدة؛ فكيف لو أخبرهم أن بني آدم يصنعون في آخر الزمان مراكب من حديد تسير بهم في البر، وتحمل التجارة والأثقال العظيمة، ويصنعون مراكب من حديد تطير بهم في الهواء، وتحمل الجماعة الكثيرة من الناس وما معهم من الأمتعة، وتذهب من الحجاز إلى الشام وترجع في ساعتين فأقل، وأن أهل الشام ومصر والعراق والهند وغيرها من الأقطار البعيدة يسافرون من ديارهم للحج في يوم عرفة، فيدركون الوقوف مع الناس بعرفة، وكذلك لو أخبرهم أن أهل الأرض يتخاطبون بواسطة آلات يتخذونها كما يتخاطب أهل البيت الواحد، فيكلم الذي في أقصى المشرق من كان في أقصى المغرب كما يكلم الجالس عنده