نفى صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:"ولو صح صدوره عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى المنبر، وفي حشد من الصحابة؛ لتواتر نقله".
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: من عجيب أمر أبي عبية قدحه في حديث قد رواه مسلم في "صحيحه" الذي قد أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول، وهذا في الحقيقة من الاستهانة بالأحاديث الصحيحة والغض من شأنها ومخالفة أهل العلم والشذوذ عنهم، ومن سلك هذا المسلك الذميم؛ فهو على شفا هلكة، ولو أن حديث الجساسة جاء في بعض الأقاصيص التي يذكرها كتاب الإفرنج؛ لبادر الأغبياء من العصريين إلى تصديقه، وأنكروا على من شك في صحته.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث قد رواه الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، والشعبي إمام من أئمة التابعين، لا سبيل لأحد إلى الكلام فيه، وقد تابعه عليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، فرواه عن فاطمة بنت قيس كما تقدم ذكره. ورواه عن الشعبي جماعة من الثقات الأثبات؛ منهم: عبد الله بن بريدة، وسيار أبو الحكم، وغيلان بن جرير، وأبو الزناد، وداود بن أبي هند، وقتادة، ومحمد بن أيوب الثقفي، وعمران بن سليمان القيسي، وغيرهم من الثقات.
وإذًا؛ فمن هو المتهم عند أبي عبية بوضعه؟ ! هل يتهم بذلك فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؟ أو يتهم الشعبي؟ أو يتهم من دونه من الحفاظ الأثبات؟ أما يستحي أبو عبية من التهجم على الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها بوجه من الوجوه؟ .
الوجه الثالث: أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها لم تنفرد برواية حديث الجساسة، بل قد رواه بمثل روايتها أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما كما تقدم ذكره، ورواه أيضًا أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما،