وإسناده حسن؛ كما سيأتي. وفي هذا رد على من قدح في الحديث وزعم أنه موضوع.
الوجه الرابع: أن يقال: ليس التواتر شرطًا في صحة الأحاديث ولا في وجوب الإيمان بها؛ كما قد توهم ذلك أبو عبية تقليدًا لبعض أهل البدع من المتقدمين والعصريين، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بكل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان متواترًا أو آحادًا، وقد تقدم إيضاح ذلك في أول الكتاب؛ فليراجع.
الوجه الخامس: أن صدور الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم لا يلزم منه التواتر في النقل، وكم من خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد عظيم من الصحابة ومع ذلك لم يروها أو يرو البعض منها إلا الواحد أو الاثنان أو أكثر من ذلك ممن لا يبلغ عددهم شرط التواتر؟ ! وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عدة خطب في أعظم حشد كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم ينقل خطبة إلا العدد القليل من الصحابة رضي الله عنهم.
وقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي زيد وعمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه؛ قال:«صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا» . وقد كانت هذه الخطبة العظيمة الطويلة جدًا على المنبر، وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم، ومع ذلك لم ينقل شيء منها بالتواتر.
وإذا علم هذا؛ فما زعمه أبو عبية من شرط التواتر لصحة حديث الجساسة