لما معه؛ لما ذكرناه من الدلائل المكذبة له، مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه: ما ازددت فيك إلا بصيرة" انتهى.
وقال ابن كثير في "النهاية": "قد تقدم في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد، وإنما ذلك في نظر العين، وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء؛ كابن حزم والطحاوي وغيرهما، في أن الدجال ممخرق مموه، لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه، بل كلها خيالات عند هؤلاء.
قال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة: لا يجوز أن يكون كذلك حقيقة؛ لئلا يشبه خارق الساحر بخارق النبي.
وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الألوهية، وذلك مناف لبشريته؛ فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه والحالة هذه.
وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية، وردوا الأحاديث الواردة فيه، فلم يصنعوا شيئا، وخرجوا بذلك عن حيز العلماء؛ لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم.
والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه، كما تقدم أن من استحباب له؛ يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم مواشيهم سمانا لبنا، ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره؛ تصيبهم السنة والجدب والقحط والقلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وأنه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، ويقتل ذلك الشاب ثم يحييه، وهذا كله ليس بمخرقة، بل حقيقة امتحن الله بها عباده في آخر الزمان، فيضل به كثيرا ويهدي