التركيب:» لا يُلْحِفون الناسَ سؤالاً «لأنه يلزمُ من نفيِ السؤال نفيُ الإِلحافِ، إذ نفيُ العامِّ يَدُلُّ على نفيِ الخاص. فتلخَّص من هذا كلَّه أنَّ نَفْيَ الشيئين: تارةً تُدْخِلُ حرفِ النفي على شيءٍ فتنتفي جميعُ عوارضِه، وتُنَبِّهُ على بعضِها بالذكرِ لغرضٍ ما، وتارةً تُدْخِلُ حرفَ النفي على عارضٍ مِنْ عوارضِه، والمقصودُ نفيهُ فتنتفي لنفيهِ عوارضُه» .
قلت: قد سَبَقه ابنُ عطية إلى هذا فقال: «تَشْبيهُه ليس مثلَه خصوصيةِ النفي، لأنَّ انتفاءَ المنارِ في البيتِ يَدُلُّ على نفي الهدايةِ، وليس انتفاءُ الإِلحاحِ يدلُّ على انتفاءِ السؤالِ.» وأطالَ ابنُ عطية في تقريرِ هذا وجوابُه ما تقدم: من أنَّ المرادَ نفيُ الشيئين لا بالطريقِ المذكورِ في البيتِ، وكان الشيخُ قد قال قبلُ ما حكيته عنه آنفاً:«ونظيرُ هذا: ما تَأْتينا فتحدِّثَنا» فعلى الوجه الأول يعني نفيَ القيدِ وحدَه: ما تأتينا مُحَدِّثاً، إنما تأتي ولا تحدِّثُ، وعلى الوجه الثاني يعني نفيَ الحكمِ بقيده ب «ما يكون منك إتيانٌ فلا يكونُ حديثٌ» ، وكذلك هذا: لا يقعُ منهم سؤالٌ البتَّةَ فلا يقعُ إلحاحٌ، ونَبَّه على نفي الإلحاحِ دونَ غيرِ الإِلحاح لقبحِ هذا الوصفِ، ولا يُرَادُ به نفيُ هذا الوصفِ وحدَه ووجودُ غيرِه؛ لأنه كانَ يَصيرُ المعنى الأول، وإنما يُراد بنفي هذا الوصفِ نفيُ المترتباتِ على المنفيِّ الأولِ، لأنه نَفَى الأولَ على سبيل العمومِ فتنتفي مترتِّباتُه، كما أنك إذا نَفَيْتَ الإِتيانَ فانتفى الحديثُ انتفى جميعُ مترتِّباتُ الإِتيانِ من المجالسةِ والمشاهدةِ والكينونةِ في محلٍّ واحد، ولكنَ نبَّه بذكرِ مترتِّب واحدٍ لغرضٍ ما على ذِكْرِ سائرِ المترتِّبات، قلت: وهو تقريرٌ لِمَا تَقدَّم.