للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اختار أن يكونَ الخطابُ في الآية المنقضية وهي قولُه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ} لليهود، فَجَعَلهُ في «تَرَوْنَهم» لهم أيضاً، ولكنَّ الخروجَ من خطاب اليهود إلى خطاب قوم آخرين أَوْلى من هذا التقدير المتكلَّفِ، لأنَّ اليهود لم يكونوا حاضري الوقعةِ حتى يُخاطَبوا برؤيتِهم لهم كذلكَ. ويجوز على هذا القولِ أن يكونَ الضميرانِ المنصوبُ والمجرورُ عائِدَيْنِ على الكفار، أي: إنهم كَثَّر في أعينِهم الكفارَ حتى صاروا مِثْلي عددِ الكفارِ، ومع ذلك غلبَهم المؤمنون وانتصروا عليهم، فهو أَبْلَغُ في القدرةِ. ويجوزُ أنْ يعودَ المنصوبُ على المسلمين والمجرورُ على المشركين، أي: تَرَوْنَ أيها اليهودُ المسلمينَ مِثْلَي عددِ المشركين مهابةً لهم وتهويلاً لأمرِ المؤمنين، كما كان ذلك في حق المشركين فيما تقدَّم من الأقوال. ويجوز أن يعودَ المنصوبُ على المشركين والمجرورُ على المسلمين، والمعنى: تَرَوْنَ أيها اليهودُ لو رأيتم المشركينَ مِثْلَي عددِ المسلمين، وذلك أنهم قُلِّلُوا في أعينهم ليحصُل لهم الفزعُ والغَمُّ؛ لأنه كان يَغُمُّهُم قلةُ الكفارِ ويعجبُهم كثرتُهُم ونصرتُهم على المسلمين حسداً وَبَغْياً فهذه ثلاثة أوجهٍ مترتبةٌ على الوجه الخامسِ، فتصيرُ ثمانية أوجهٍ في قراءة نافع.

وأمَّا قراءةُ الباقين ففيها أوجه، أحدُها: أنها كقراءةِ الخطاب، فكلُّ ما قيل في المراد به الخطابُ هناك قيل به هنا، ولكنه جاء على بابِ الالتفاتِ أي: التفاتٌ من خطاب إلى غيبة. الثاني: أن الخطاب في «لكم» للمؤمنين، والضميرُ المرفوعُ في «يَرَوْنَهم» للكفار، والمنصوبُ والمجرورُ للمسلمين، والمعنى: يَرَى المشركون المؤمنين مِثْلَي عدد المؤمنين ستمئة ونيفاً وعشرين، أراهم الله مع قِلَّتهم إياهم ضِعْفَيْهم ليَهَابُوهم ويَجْبُنوا عنهم. الثالث: أنَّ الخطاب في «لكم» للمؤمنين أيضاً، والمرفوعُ في «يَرَوْنَهم» للكفار، والمنصوبُ للمسلمين والمجرورُ للمشركين، أي: يرى المشركونَ المؤمنين مِثْلَي عددِ المشركين، أراهم الله المؤمنينَ أضعافَهم لِما تَقدَّم في الوجه قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>