وَمَنَع أبو البقاء أن تكونَ أحوالاً من المسيح أو من عيسى أو من ابن مريم، قال:«لأنها أخبارٌ والعاملُ فيها الابتداءُ أو المبتدأُ أو هما، وليس شيءٌ من ذلك يَعْمَلُ في الحال» وَمَنَع أيضاً كونَها حالاً من الهاء في «اسمُه» قال: «للفصلِ الواقِعِ بينهما، ولعدمِ العاملِ في الحال» قلت: ومذهبُهُ أيضاً أنَّ الحالَ لا تجيءُ من المضافِ إليه وهو مرادُهُ بقولِهِ: «ولعدمِ العاملِ» وجاءَتِ الحالُ من النكرةِ لتخصُّصِها بالصفةِ بعدَها. وظاهرُ كلامِ الواحدي فيما نقلَهُ عن الفراء، أنه يجوزُ أن تكونَ أحوالاً من عيسى فإنَّه قال:«والفراء يُسَمِّي هذا قطعاً كأنه قال: عيسى ابن مريم الوجيهَ، قَطَعَ منه التعريفَ» فظاهِرُ هذا يُؤْذِنُ بأنَّ «وجيهاً» من صفة عيسى في الأصل فَقُطِعَ عنه، والحالُ وصفٌ في المعنى.
قوله:{فِي الدنيا} متعلق بوجيهاً، لِما فيه من معنى الفعل. والوجيه: ذو الجاه وهو القوة والمَنَعَةُ والشرف، يقال: وَجُه الرجلُ يَوْجُه وَجَاهَةً، واشتقاقُهُ من الوجه لأنه أشرفُ الأعضاءِ، والجاه مقلوبٌ منه فوزنُه عَفَل.
وقوله تعالى:{فِي المهد} : يجوزُ فيه وجهان: أحدهما: وهو الظاهرُ أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ، على أنه حالٌ من الضميرِ في «يُكَلِّم» ِأي: يكلِّمُهم صغيراً وكهلاً، فَكَهْلاً على هذا نَسَقٌ على هذه الحالِ المؤولةِ. والثاني: أنه ظرفٌ للتكليم كسائرِ الفَضَلات، فَكَهْلاً على هذا نسق على وجيهاً فعلى هذا يكون خمسةُ أَحوالٍ.
والكَهْلُ: مَنْ بَلَغَ سنَّ الكهولةِ وأولُها ثلاثون، وقيل: اثنان، وقيل: ثلاثٌ وثلاثون. وقيل: أربعون، وآخرُها ستون، ثم يدخُلُ في سن الشيخوخة واشتقاقه مِنْ اكْتَهَلَ النبات: إذا علا وَأَرْبَعَ، ومنه: الكاهلُ، وقال صاحب